محمد سليمان العنقري
طالب مجلس الشورى الهيئة العامة للرياضة بسرعة خصخصة الأندية الرياضية، وهو مشروع يتم تداوله منذ سنوات عدة، ويعد هدفًا استراتيجيًّا قادمًا، تطمح من خلاله الدولة لتطوير أداء الأندية، وجذب الاستثمارات بالقطاع الرياضي الحيوي الذي يمس شريحة واسعة جدًّا من المجتمع. كما أن تجارب الدول الأوروبية تحديدًا حققت نجاحًا عندما اتجهت للخصخصة، وتحويل الرياضة لصناعة، وخصوصًا لعبة كرة القدم. وهناك خطوات تمت قبل سنوات لتهيئة الأندية للخصخصة، ولا يوجد أي بيان حاليًا من هيئة الرياضة إلى أين وصلت خطوات تهيئة الأندية، وكذلك التشريعات والأنظمة المطلوبة للوصول لبيئة صحية لمرحلة ما بعد بيع الأندية، وانتقالها لعمل تجاري بامتياز.
لكن هل يتوقف قرار خصخصة الأندية على أنظمة داخلية للهيئة فقط؟ فالاستثمار بالرياضة مكلف جدًّا، وعوائده لا تتحقق بسهولة، ومصادر دخل الأندية تحتاج لدعم تنظيمي من المصادر التي تأتي منها، وكذلك حماية تجارية واسعة النطاق.. فالأنظمة المطلوبة لا تتعلق بهيئة الرياضة فقط، بل هناك جهات عديدة، تدخل في نطاق عملية هيكلة وتطوير الأنظمة التي تحتاج إليها الأندية لكي تستطيع تحمُّل الأعباء دون إعانات رسمية أو تعثر، يكون سببه قصورًا بالأنظمة والتشريعات. وبالتأكد إن الهيئة لديها إلمام كامل بما هو معمول به عالميًّا من بيئة، حوّلت الرياضة لصناعة كبيرة؛ فقد فاق حجمها التريليون دولار عالميًّا.
فدخل الأندية عالميًّا يأتي بشكل أساسي من إيرادات الملاعب، أي الحضور الجماهيري، وكذلك من بيع المنتجات الحاملة للعلامة التجارية للنادي، وأيضًا الرعاية من شركات كبرى ودعايات على منشآت النادي في الملعب، وكذلك الأطقم الرسمية التي يرتديها اللاعبون. وتعد حقوق النقل التلفزيوني لمباريات الأندية من أكبر مصادر الدخل أيضًا. وعند النظر لكل مصادر الدخل الرئيسية سنجد أن الأندية لدينا تعاني ضعفًا كبيرًا فيها؛ فالعلامة التجارية لا يوجد حماية كافية لها، وتجد منتجات الأندية المقلدة بأسعار زهيدة ومنتشرة بالأسواق، كما أن الحضور الجماهيري في الملاعب يعد محدودًا بما هو مأمول منه؛ فالأندية الأوروبية تحقق نحو 20 % من إيراداتها من الحضور الجماهيري في ملاعبها، فنادي بايرن ميونيخ يحقق سنويًّا نحو 120 مليون يورو من هذا العامل الرئيسي بدخله، فمتوسط حضور الجماهير بالدوري السعودي يبلغ حاليًا نحو 8300 متفرج بالمتوسط لكل مباراة، بينما في الدوري الإسباني يبلغ الحضور 28 ألف متفرج بالمتوسط، وفي الدوري الإنجليزي يبلغ المتوسط 38 ألف متفرج؛ وهو ما يعني أن هناك حاجة ماسة لضخ استثمارات بالملاعب، وتهيئتها لجذب الحضور الجماهيري بمعايير عالمية. كما أن اشتراكات جماهير الأندية تمثل دخلاً مهمًّا؛ وهو ما يتطلب إنشاء بنى تحتية متطورة للأندية؛ لكي تجذب الاشتراكات، وتزداد العضويات الفاعلة بالأندية.
يُضاف لذلك تطوير الأنظمة التي تتيح للأندية التوسع بأعمالها، مثل استثمار عقود اللاعبين، وآليات انتقالهم وإعارتهم.
قد يكون الحديث عن خصخصة الأندية في ظاهره سهلاً، وسهولة فرص نجاح النادي بتحقيق أرباح شبه مؤكدة، لكن التجارب العالمية لا تؤيد كثيرًا هذا الجانب؛ فالأندية تخسر أموالاً طائلة حتى تصل لمرحلة التوازن قبل الوصول للأرباح التي لا تعد كبيرة إلا أنه في صناعة الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص تأتي الأرباح لشركات الملابس الرياضية التي تكون مستعدة لتحمُّل جزء كبير من تكاليف الأندية؛ لأنها تكسب من التسويق المستمر لمنتجاتها من خلال الأندية التي ترعاها، وأيضًا الشركات الأخرى التي تقدم الرعاية أو تضع إعلاناتها خلال المباريات؛ فجميعها تعتبر الأندية بوابة تسويق؛ ولذلك لا يهمهم كم تكلف رواتب وعقود اللاعبين وتكاليف تشغيل الأندية، ولا يهمهم الربح الذي يتحقق مباشرة للنادي، إنما الأرباح والمبيعات التي يحققونها من خلال آلة التسويق التي تعمل طوال العام المتمثلة بالنادي ولاعبيه ومنشآته.. فهل ستحصل أنديتنا على دخل من كل المصادر المعروفة بصناعة الرياضة بما يكفي حتى تستطيع الاستمرار، وتدخل هذا العالم المعقد والمتشعب بتفاصيله.