رمضان جريدي العنزي
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}؛ فأكرم الناس عند الله وأفضلهم عنده أتقاهم له. وإن الإسلام العظيم الذي أنزل تشريعه على النبي الأكرم محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - أزال الأعمال الجاهلية كلها، ورفض الفروق العنصرية، والطبقية، والتمييز العرقي، وكذا الطبائع السيئة الموروثة، وكل ما يهدد القيم الحسنة والسلوك والأخلاق، ووقف بجانب الإنسان كإنسان، وأوجب له العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحياة الكريمة، ورسخ مفهوم العزة والكرامة بغض النظر عن اللون والجنس والعرق واللغة، وجعل العزة والكرامة حقًّا أصيلاً لكل إنسان. إن التمييز العنصري داء خطير، يتنافى مع كرامة الإنسان، وتعاليم الإسلام، ومبدأ العدل والمساواة، وله أضرار وخيمة على المجتمع. إن البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والعزة والحقوق، وإن كل إنسان له الحق في التمتع بجميع الحقوق والعيش دون أي فرق أو تمييز. إن انتقاص الآخرين وازدراءهم وهمزهم ولمزهم، وتلفيق المسميات واختراع الصفات لهم، ووضعهم في خانات خاصة بهم، وإعطاءهم الدرجات والمستوى دون أي مستند أو مسوغ شرعي، يُعد تعديًا صريحًا وصارخًا على قيم العدل والمساواة والإنسانية التي نادى بها الشرع الكريم، وهو مؤشر خطير، يجب التصدي له، والعمل على مكافحته، والقضاء عليه، وذلك من خلال نشر الثقافة الحقوقية، وتبيانها للمجتمع، وبيان تبعات التمييز العنصري البغيض ومساوئه السلبية المدمرة، مع أهمية تجريم من يقوم بهذا العمل بأنواعه وأشكاله كافة، وتطبيق الجزاءات الرادعة بحزم على كل من ينادي عليه، وينشره بين الناس ويعمل به، ويحيي ذكره. إن المسؤولية الأعظم تقع على المؤسسات التعليمة أولاً كونها الحاضن والملقن، وعليها في هذا الشأن أن تؤكد في مناهجها أضرار العنصرية وسلبياتها، أوبئتها وأدرانها، وعليها أيضًا توعية الطلاب والطالبات بذلك؛ لينشأ جيل واعٍ بعيدًا عن النعرات الطائفية والمذهبية والقبلية والإقليمية للتخلص من هذه الصفة الذميمة المشينة. إن العنصرية بكل أشكالها وتنوعاتها مجرد وهن فكري، وإعاقة عقلية، و(فشخرة) سلوكية كاذبة، وقصور وعي وفهم وإدراك، وهلامية تهيمن على مجمل التصورات الخاطئة. إن العنصري يستهويه الاستعلاء، وتأخذهلفوقية على أساس لا وجود له سوى في خياله، وأحلامه الواهنة، معجب بذاته، ومبهر بأناه الضيقة، لحد الشعور بالتفضيل على معظم الناس. إن المنبهر بالأنا والنحن حد الهوس نراه يعيش حمأة التبجح والنرجسية والتعالي والعظمة، وما علم هذا المفتون بذاته ومحيطه أن الله -جل في علاه- قد خلقه من (علق) أي قطعة دم غليظة، وأن أصل خلق البشر كلهم من طين لازب، ولكن الإنسان الواهن سرعان ما ينسى ذلك، ولا يذكر كينونة أصله وأسه ومنشأه؛ ولذلك لمجرد أن ترتفع مكانته الاقتصادية والوظيفية والاجتماعية والقيادية ينتابه شعور الزهو والتبختر والغطرسة، ومن ثم تكبر عنده الأوهام العقلية التي تفرز مفاهيم زائفة، عندها يغلو في الطرح والرواية واختراع القصص والحكايا الزائفة، ويتفنن في استحضار الأسطورة والخرافة واللامعقول. إن النفخ الزائد في الأنا والنحن ينتج عِلّة ثقافية، لا تضيف للحياة إيجابية واحدة، بل تزيد الحياة انتكاسات عديدة ومتنوعة؛ كونه منتجًا رديء المحتوى، وعديم الفائدة. إن العنصريين يحتاجون بناء على أعمالهم الواهنة إلى مساعدة طبية نفسية عاجلة؛ لأنهم يعيشون في المجتمع كالفيروس بالجسد، يعذبون أنفسهم، ويعذبون الجميع.. إنهم مرضى؛ يجب حشرهم في مصحة نفسية خاصة بعيدة ونائية، وإعطاؤهم العقاقير اللازمة تباعًا، وإخضاعهم للتعليمات والإرشادات النفسية التي تساعدهم للتخلص السريع من هذا المرض الذي عشش في عقولهم وفرخ، عندها لن يكون في أي مجتمع يبتغي العلو والسمو، وينشد الرقي، هذه العينات السقيمة التي تنفخ في أجساد الأموات اعتقادًا منها بعودة الأرواح.