حمّاد السالمي
كشف المحفل الإخواني قبل عدة أيام فارطة في العاصمة الماليزية كوالالمبور؛ عن مضي الثلاثي التخريبي: (إيران وتركيا والإخوان)؛ على الاستمرار في الخطط القديمة التي تجمع هذا الثلاثي، بهدف ضرب الأمن القومي العربي، ونشر الفوضى في المجتمعات، وترسيخ فكرة: (إمامة.. خلافة)، تلك التي رسمها الهالك الخميني مع الهالك حسن البنا) في اجتماع القاهرة سنة 1938م.
وظهر جليًا؛ أن الحضور الإخواني المكثف؛ الذي شمل إلى جانب مئات الخطباء والوعاظ؛ جماعات إرهابية، وأحزاب شيطانية، فحزب الله حاضر، وحماس؛ والحوثة، وفيلق القدس، في المقدمة، ولو أن الهالكين -ابن لادن والبغدادي- على قيد الحياة؛ لرأيناهما على المنبر، مع أن ممثلين من القاعدة وداعش والنصرة؛ كانوا ضمن حضور الزور في كوالالمبور. يأتي هذا المحفل الشيطاني؛ لمراجعة بنود مؤتمر الخرطوم الشهير سنة 1991م، الذي رعاه الترابي والبشير، وحضره ابن لادن، وكذلك مغنية من حزب الله، ومئات المنظرين الإخونج وقتها، ووضعوا خطة زمنية مدتها ثلاثين سنة لتحطيم الأمن العربي، وتمزيق الدول القطرية، والوصول إلى الحاكمية في (زواج المتعة السني الشيعي) في دولة: (الإمامة والخلافة)، بقيادة صفوية تركية.
الأمر الجيد؛ أنه لم ينجح خليفتهم قردوغان، ولا خزنتهم تميم، ولا صديقهم روحاني؛ في التأثير على المملكة العربية السعودية وبقية دول القمة عربيًا وإسلاميًا، مثل: (إندونيسيا، وباكستان، ومصر، والمغرب، والأردن). لقد سعوا بكل ما أوتوا من خيانة ونذالة؛ للإضرار بالمملكة العربية السعودية، وإسقاط منظمة التعاون الإسلامي. لم يضروا المملكة، ولا المنظمة، وإنما أنفسهم ضروا.. فهذه خيبة جديدة، تضاف إلى خيباتهم عبر تاريخهم التكفيري التفجيري في ديار العرب والمسلمين.
لقد اتسم الفكر الإخواني منذ البدء؛ بالتجهيل والتقتيل.. إن تاريخ الفكر الإخواني المتشدد؛ لم يبدأ مع إعلان الجماعة في مصر سنة 1928م. لقد نشأ الفكر الإخواني وترعرع في وقت مبكر في حضن الخلافة العثمانية، التي وفرت له الرعاية والحماية في مختلف الأقطار التي كانت تابعة لها. تشكيل الجماعة؛ جاء لتجديد الخلافة بفكر الإخوان الذي تكوّن منذ زمن بعيد. وفي زمننا هذا؛ يدخل (قردوغان) على خط الأحلام الإخوانية، التي لم يتحقق منها شيء، ويجد فيه الإخوان المثخنون بالهزائم؛ ملاذًا وحضانة جديدة لهم.
لو أردنا تعداد جنايات الفكر الإخواني على العرب والمسلمين منذ البدء؛ لوجدنا قوائم عريضة. لقد ظهرت من حضانة الإخوان؛ جماعات وتنظيمات متطرفة في كل بلدان العرب. كل جماعة تبنت الفكر الإخواني بطريقتها الخاصة، لفرض وصايتها على المجتمعات، ومناكفة ومنازعة الحكام والسلطات، بشعارات دينية مغلفة، تمهد لتحقيق حلم الخلافة التي يرغبون فيها: صحويون، وسروريون، وقاعديون، ودواعش، وجهاديون.. إلى آخر قائمة الإرهاب الإخواني في المنطقة والعالم.
نتذكر جيدًا؛ أنه بسبب فتاوى متشددة ومتطرفة؛ تأخرت المطبعة عن عالمنا العربي والإسلامي مدة قرنين ونصف القرن بموجب فرمان من السلطان بايزيد الثاني. ومكث جدلنا حول شرب القهوة كذلك؛ قرابة قرنين بتعليمات سلطانية. وكانت مياه الصنبور؛ بدعة وضلالة، ولا تصلح للوضوء.
وتبع ذلك بين تحريم وتجريم: الدراجة الهوائية -حصان إبليس- ثم الطماطم، والتقنيات الإلكترونية، والأجهزة الكهربائية، وتطعيم شلل الأطفال. وكانت المدارس في فقههم المتخلف؛ بابًا للفساد والانحرافات، وتعليم الفتيات أشد فتنة. كتاب: (الإصابة في منع النساء من الكتابة)..! ورسالة: (اللبيب من الرجال هو من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى)..!.
ثم حرّم فكرهم؛ الصحف والمجلات. لم يحرموها فحسب، بل كفّروا من يقرأها بدعوى احتوائها على حقائق علمية غريبة من قبيل: كروية الأرض، والتطعيم ضد الأمراض. ومواقفهم المتطرفة وحربهم الشعواء ضد البرقيات والراديو، والتليفزيون، والدش؛ لا تُنسى. وقد توسعت ذهنيهم التكفيرية والتكريهية لتشمل أجهزة الفيديو والكاسيت، والتصوير الفوتوغرافي، وصولاً إلى تحريم الإنترنت. لم ينتبهوا إلى أن الإسلام؛ يؤكد على التطور والتجدد، لأن هدف الشريعة مصلحة العباد، وإذا وجدت فتوى تحرم أمراً نافعاً للأمة؛ فإن قائلها لديه خلل في منهجه، وبحاجة إلى مراجعة.
إن العهود الأولى للإسلام؛ شهدت خوفاً من الفتوى من باب الورع والخوف من الوقوع في محرّم، وهذا فُهِم في العصور المتأخرة؛ على أنه خوف من التصدي للفتوى، فشاع فقه الرفض لكل ما هو جديد، إلى الدرجة التي ظهر فيها من كان يُحرّم القول بكروية الأرض، أو يُحرّم بعض الأكلات.
الخلافة العثمانية؛ خلقت بيئات للتطرف والتشدد في عدة أقطار عربية، حتى جاءت جماعة الإخوان؛ لتعيد لأقطارنا هذا المجد العثماني المتخلف على شكل خلافة إسلامية بقيادة تركية إيرانية. جماعة إرهابية بامتياز، زاوجت بين تجهيل الناس وتقتيلهم: (أفكار سيد قطب في جاهلية المجتمع والقتل).
هذه ثلاثة نماذج من حصاد الفكر الإخواني القائم على التجهيل والتقتيل. انظروا: سأل القاضي قاتل الرئيس المصري السابق أنور السادات:
(قتلت السادات ليه)..؟ قال: (لأنه علماني). فرد القاضي: ويعني إيه علماني..؟ فقال القاتل: (ما عرفش)..!!
وفي حادثة محاولة اغتيال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ؛ سأل القاضي الرجل الذي طعن نجيب محفوظ: لماذا طعنته..؟ قال المجرم: (بسبب روايته أولاد حارتنا). فسأله القاضي: هل قرأت رواية أولاد حارتنا..؟ قال المجرم: لا..!!
وسأل قاضٍ ثالث؛ القاتل الذي قتل الكاتب المصري فرج فودة: لماذا اغتلت فرج فودة..؟ أجاب القاتل: لأنه كافر. فسأله القاضي: كيف عرفت أنه كافر..؟ أجاب القاتل: من كتبه. قال القاضي: ومن أيّ من كتبه عرفت أنه كافر..؟ قال القاتل: أنا لم أقرأ كتبه..! القاضي: كيف..؟ أجاب القاتل: أنا لا أقرأ ولا أكتب..!!.
من هنا تتجلى جاهلية الفكر الإخواني، التي كرّست فكرة الوصاية على المجتمع باسم الدين. والتي قادت إلى القتل والتخريب باسم الجهاد في سبيل الله. ها نحن اليوم؛ ندفع ثمن هذا التجهيل، ونتجرع سم الوصاية، ونلعق دماءنا على أيدي الجماعات الإرهابية.