د. محمد عبدالله العوين
حينما تفاجأ العالم بثورة الخميني نهاية عام 1979م بديلاً لنظام الشاه بعد حالة من الفوضى والمظاهرات في إيران ومع الأيام الأولى لتلك الثورة البائسة أيقن العقلاء والمدركون أنها لن تكون وبالاً على الشعوب الإيرانية فحسب؛ بل على المنطقة العربية والعالم، وهذا ما حدث بالفعل، وواكب الأحداث المؤلمة التي تسبب بها الخميني كالحرب العراقية الإيرانية والاستبداد والقمع الذي فاق بطش واستبداد سافاك الشاه السابق كتب ومؤلفات تفوق العد والحصر من كتاب عرب وعجم وغربيين.
ولعل من أشهر الكتب التي صدرت بعد سنوات قليلة من قيام الثورة كتاب (وجاء دور المجوس) الذي صدر باسم (عبدالله الغريب)، وهو اسم منتحل لمؤلف الكتاب الحقيقي محمد سرور زين العابدين، ولا أريد أن أقف طويلاً في تعليل موقف المؤلف الناقد للثورة الخمينية في حين أنه كان منتمياً لجماعة الإخوان، إذ إن إشارة سريعة تكفي لتفسير تلك الأحكام الصارمة التي حملها الكتاب على الخميني وثورته فيما يشبه حملة إعلامية مؤسسة على قواعد فقهية وعقدية.. وظهر الكتاب بما يوحي بأن ثمة من اقترح على المؤلف نقد ثورة الخميني ومفهوم ولاية الفقيه برؤية أقرب إلى المنهج السلفي.
محمد سرور عاش سنوات ليست قليلة في أحضان بيئة سلفية مدرساً بالمعهد العلمي في بريدة بينما كان متشرباً من حيث البدء بأفكار جماعة الإخوان التي كان صوتها العالي بدأ يرتفع على كل الأصوات بعد نكبة عام 1967م التي تسببت في انحسار وضعف المد القومي والبعثي واليساري وخلو الساحة للمد الإخواني الذي اكتسح المنطقة العربية وافترس أربعة أجيال كانت تبحث عن أمل، وتتشوق إلى إجابة عن الموقف من حضارة العصر ومكان العربي والمسلم في صراع الحضارات، وتتلمس سبيلاً للخلاص من اليأس وحالة القنوط التي أوقعها فيه المد القومي الناصري بندائه إلى (الوحدة العربية) التي فشلت مرات عدة أبرزها الوحدة السورية المصرية، وأراد لها جمال عبدالناصر أن تتم بالقوة عن طريق الانقلابات والغزو العسكري كما فعل في حماقته بتأييد الجمهوريين في اليمن، والشعارات المجلجلة التي كان ينادي بها البعث في سوريا والعراق (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).
لقد بلغ اليأس بالشبيبة العربية مطلع السبعينيات بعد النكسة حداً دفعها إلى الاستجابة للخطاب (الإسلامي) كما كان يسمى آنذاك بديلاً لفشل القوميين والبعثيين واليسار، وكأن ذلك الجيل الذي تلقفه فكر الإخوان يقول في نفسه: لنجرب ونختبر مقولات الجماعة.. وجرب بعد تخبط الأجيال السابقة له؛ ولكنها كانت تجربة مريرة أنبتت لنا فشلاً ذريعاً آخر ثمرته ما سمي بجيل (الصحوة).
وبعد سقوط كل الحركات المؤدلجة التي امتطاها سياسيون عسكر طامعون في السلطة أو مندفعون بحماسة إلى التغيير دون روية ظل الصواب في ألا تجرب الأجيال تلبس الأيدلوجيا؛ بل تلبسَ منهج وامتلاءً برؤيةٍ وخطةِ عمل وبناء وتوازن بين منظومة القيم وثقافة العصر وتعايش وتنافس وتناص مع الحضارات الإنسانية؛ لا صداما ولا عداءً.