إنه الفقيه الفرضي الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد المليفي ولد سنة خمسين وثلاثمئة وألف تقريبًا في مدينة حرمة ونشأ في كنف والده على الديانة والعفاف والجد والاجتهاد فكان عونًا لوالده في أعمال الزراعة التي هي مصدر رزقه كغيره من أهل زمانه التحق الشيخ بالدراسة متأخرًا قليلاً فاجتاز المراحل الثلاثة من الابتدائية مرة واحدة لما كان يتمتع به من نجابة وفهم فأكمل الابتدائية ثم التحق بالمعهد العلمي بالمجمعة الذي كان في زمنه يحفل بمشايخ وأساتذة فضلاء لهم باع طويل وقدم راسخة في العلم وبمناهج قوية في علوم الشريعة واللغة تلقى شيخنا تعليمه في هذا الصرح العلمي الشامخ ونال شهادته بتفوق ثم تطلعت همته -رحمه الله- لمواصلة دراسته فالتحق بكلية الشريعة بالرياض التي كانت حافلة بكوكبة من العلماء الإعلام منهم شيخنا العلامة عبدالله بن عبدالرحمن الغديان والشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي والشيخ العلامة صالح بن علي الناصر وغيرهم - رحم الله تعالى الجميع - نهل شيخنا من فقههم وتزود من مختلف العلوم في الفقه والأصول والتفسير وغيرها.. عين الشيخ بعد تخرجه من كلية الشريعة مدرسًا في المعهد العلمي بالمجمعة عام ست وثمانين وثلاثمئة وألف واستمر في عمله إلى أن أحيل للتقاعد لبلوغه السن النظامي للوظيفة درس عليه في هذا الصرح العلمي أجيال عديدة تخرجوا على يديه واستفادوا من علمه وسمته لما جبله الله عليه من التواضع ورقي التعامل وحسن التوجيه فقد كان -رحمه الله- معلمًا ناصحًا وأبا حانيًا وموجهًا مشفقًا يسر بتفوق طلابه ويسعد بحرصهم وتنافسهم في العلم.. تخرج عليه أجيال من أهل مدينة المجمعة وأهل مدينة حرمة وغيرهما من المدن والضواحي كان شيخنا علمًا بين أقرانه وركنًا ركينًا من أركان المعهد العلمي بالمجمعة ما يكاد يذكر إلا وينصرف الذهن لشخص فضيلته لطول الصحبة والمدة التي قضاها -رحمه الله- بين جنباته ولتعاقب أجيال تلقوا العلم عنه وهي تزيد على ثلاثين عامًا.. كان شيخنا مشاركًا في علوم الشريعة إلا أنه كان مبرزًا في علمي الفقه والمواريث فقد عرف بهما عند طلابه وأقرانه.. كان المقرر في الفقه كتاب (زاد المستقنع) للعلامة الحجاوي -رحمه الله تعالى - وكان الشيخ خبيرًا به وبمسائله وأحسب أنه من محفوظاته فأذكر لما كنت أدرس على فضيلته في المرحلة الثانوية كنت وبعض الزملاء نحفظ المقطع الذي سيشرحه الشيخ وكنا نمره عليه ويصوب لنا من حفظه.. أيضًا كان مرزًا في علم المواريث له فيه باع طويل تدريسًا وفقها وحسن تقرير.. عرف عن الشيخ -رحمه الله تعالى - الجلد والصبر ومباشرة أعماله بنفسه مع جلالة قدره فكان متواضعًا مألوفًا اجتمعت قلوب الناس على محبته وهذا عزيز قل أن يحصل لأحد إلا من علم الله جل وعلا حسن سريرته وسلامة طويته وأحسب أن شيخنا كان من أولئك وذلك فضل الله يؤتيه ويهدي إليه من يشاء.. تولى الشيخ الإمامة والخطابة في جامع مدينته حرمة نحوا من عشرين سنة عرف خلالها بالمواظبة التامة والقيام بالمسؤولية على أتم وجه كان أيضًا مأذونًا للنكاح نحوًا من عشرين سنة احتسابًا لا يعتذر عن أحد.. وفاته: كان الشيخ يعاني في آخر عمره من علة في القلب تعاوده بين حين وآخر وفي المرة الأخير أدخل المستشفى وقرر الأطباء إجراء عملية له إلا أن أجله وفاه يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الآخر من هذا العام في مدينة المجمعة وصلي على جنازته يوم الاثنين في الجامع الكبير في مدينة المجمعة ودفن في مسقط رأسه مدينة حرمة وكانت جنازته مشهودة حضرها خلق كثير.. رحم الله تعالى شيخنا وأعلى المولى الكريم منزلته في جنته وجزاه عن الجميع خير الجزاء.
** **
- د. فهد بن عبدالله المزعل