رواية الصديق عبدالله الوصالي: 282 صفحة ـ الحجم المتوسط. الطبعة الأولى 2020 ـ دار مسكلياني.
أهداها المؤلف إلى المدينة الصفراء (أيوا) ونهرها الصوفي.
- في الغلاف الأخير كتب السيد رضا الحسني مقطعًا عن بطلة الرواية (ميرا) ورحلتها في الترجمة وبحثها حول تاريخ العالم العربي والشرق الأوسط وهي الفتاة عربية الأصل (أبوها مهاجر قسرًا من فلسطين)، وهي أمريكية المولد والثقافة.
- وأنا أتصفح عنوان الرواية (عشرة أسابيع بجوار النهر) قفز إلى الذهن فورًا عنوان قصيدة الصديق الشاعر علي الدميني (السفر وثلاث ليال في ضيافة النهر) 1977م. لا شك أنه تناص في ذهني فقط.
- تبدأ الرواية بصفحة واحدة (تمهيد) وبفصول مرقمة من 1 إلى 31، ثم بخاتمة من أربع صفحات.
- مدخل الرواية رائع من خلال التمهيد بلسان مستشارها اللغوي (لم يذكر الاسم)، عبر إرفاق ملف كبير لمساعدتها في ترجمته من الإنجليزية إلى العربية وتصحيحه، تمهيدًا لنشره في كتاب.
- إذًا الحدث الرئيس هو ترجمة رسالة ماجستير من الإنجليزية إلى العربية، وهو حدث عادي، لكن عبر كتابة تدوين المذكرات تأخذنا (ميرا) في رحلة ودهاليز فكرية ونفسية لمجموعة الكتاب ـ العرب ـ وغير العرب، في تجمعهم الثقافي في بقعة غير عربية، كاشفة عن الكثير من التناقضات الفكرية والمذهبية والاختلاف بين المجموعة، والنجاحات والإخفاقات في مستوى الإنجاز، أو مستوى العلاقات الشخصية.
- في مذكراتها، نتعرف على علاقتها بأسرتها، حبيبها (مايكل)، وتنقلاتها ولقاءاتها مع الأدباء وصعوبات التأقلم في المدينة الصفراء (أيوا) وأحاسيسها والكثير من الأحداث حول الجو العام للمدينة والنقاشات والرحلات الثقافية، وجلسات النهر.. ولعل الأحداث تمشي في هذا الاتجاه الأفقي حتى وصلت إلى الصفحة 117 الفصل 14 وأنا أتساءل هل ستستمر الأحداث بمزيد من التفاصيل لكن في هذا المسار؟ ومع هذا استمر بناء الأحداث بمزيد من التفاصيل حتى ص 151. توقعت من بداية الحدث الذي شكل صدمة لميرا وهز مشاعرها وهو وجود (جاشوا) في حمام شقتها المشتركة مع نعيمة. أن ينمو الحدث، ويأخذ منعطفًا تصاعديًا.. لكن يبدو أن كتابة المذكرات تجري بهذا الشكل الأفقي!
- في الفصل الثامن، تذكر ميرا أنها قرأت عشرين صفحة من رواية سلمى السورية، ولم تستطع سلمى إكمالها.. الصفحات العشرون تتحدث عن معارضة الكاتبة للنظام وبعض ما حصل لها في سجونه من تعذيب. تساءلت لم تم اختيار توظيف رواية لكاتبة معارضة للنظام، وهاربة من بلدها، دون أي إشارة إلى الجرائم الكبرى التي ارتكبها الإرهابيون في حق بلدها وشعبها. تبدو تفاصيل هذه الحكاية وكأنها تتماشى مع سياق الإعلام الغربي الذي يحتفي بأي شيء ضد الدولة السورية. هذا تكهن شخصي بحت باعتباري قارئًا للنص.
- في نهاية الفصل 29 تطرح ميرا رأيها ـ باستغراب ـ في مقاطعة الأدباء العرب لمسرحية آلون ـ لكن أربعة منهم حضروا ـ المسرحية مأخوذة من رواية غسان كنفاني (العودة إلى حيفا) وهي عن الشاب خلدون المنضوي في الجيش الإسرائيلي ابن (سعيد س) الذي أخذ إسرائيليون بيته وابنه وحولوا اسم ابنه من (خلدون) إلى (دوف)!
- ميرا الأمريكية، ذات الأصل الفلسطيني تحاجج حول رواية غسان، تقول في ص 259 نصًا: (وددت لو أن العرب كلهم غسان كنفاني، لأن الكثيرين لم يفهموا ما يرمي إليه. هي رواية تسبق عصرها دون شك (!) من الذي كان سيوصل ما أراده غسان كنفاني إلى جمهور مثل الذي يشاهده حاليا؟ جمهور يقاوم عبرة تبتلعه مع كل حركة أو حوار في المشهد. إنها رواية تشير الآن إلى التعايش داخل وطن واحد تمامًا كما يجب أن يتعايش في دوف الكيانان البيولوجي والثقافي...... وتضيف ميرا: (بأن قدر فلسطين هو قدر دوف الذي تمتزج فيه بيولوجيا عربية وثقافة إسرائيلية). وفي نفس الفصل كان سؤالها إلى آلون: (عن مصير من أسس وجوده على فناء الآخر؟) ويبدو أنه أقنعها عندما قال ص 260 نصًا: (حتى الطفل اللقيط الذي تأتي به عملية اغتصاب له الحق في العيش، لكن من الواجب منعه بكل الطرق من تتبع خطى والده المغتصب) ثم يؤكد آلون: (علينا نحن الإسرائيليين إدراك أنه لا يمكننا العيش في الشرق الأوسط من دون العرب). في صفحة 261 تكرر ميرا قناعتها واتفاقها مع دوف ـ المجند حول عبارته التي قال فيها: (الإنسان في نهاية الأمر قضية) وتضيف: (نعم الإنسان قضية ولا قضية أهم من الإِنسان) انتهى.. لكني أتساءل عن أي إنسان تتحدث السيدة ميرا؟ أليس عن الإسرائيلي، الذي سرق بيت وابن الفلسطيني سعيد س؟ أم عن الملايين ممن اغتصب وطنهم بأرضه وبيوته؟ أم عن سرقة الأدب والثقافة.. وحتى الفلافل الفلسطينية صارت فلافل إسرائيلية كما عزم آلون المثقفين في رسائله (ص 257).
- نقاط:
- في الصفحة 153 تحليل دقيق وجميل يثير الكثير من الأسئلة حول تشكل مجتمع كتّاب من بيئا ت مختلفة في مكان بعيد عن أوطانهم ولفترة مؤقتة.
- الرسم الدقيق بالكلمات أثناء الوصف: الألوان والمكان، بلغة منسابة دون نتوءات في الجمل ص 74، وص 118، 166، 201، 222
- شخصية أبي ميرا، غامضة، غائبة إلا يعني ذلك شيئًا؟
- تجلى موقف مرهف (السعودي) من فلسطين في ارتدائه الكوفية الفلسطينية، وبشكل موارب.
- في الفصل 22 توحد العرب في موقفهم الرافض من ندوات ومشاركات الإسرائيلي آلون (لكن أربعة منهم حضروا مسرحيته) ـ لم يذكر في الرواية ـ اسم الخامس.. هل هو محمود المصري، أو مرتضى العراقي؟
- في الفصل 21 تساءلت عن قدرة ميرا على تدريب شادية بخطوات دقيقة، ومنظمة وهي التي لم يستقم مسارها في إعداد ترجمتها، وبان ضعفها في أكثر من موقف.
- أعتقد أن الرواية قد انتهت بنهاية الفصل الثلاثين، حيث تجلى الشحن العاطفي بقوة.. مما يجعل الفصل 31 والخاتمة باهتتين، ولو حذفا ـ حسب رأيي ـ فلن يؤثرا على معمار الرواية.
- بلغ التناقض الفكري والمذهبي بين المجموعة العربية ـ بالذات حد العداء، وأشارت الرواية بوضوح إلى ذلك.. وربما كانت هذه هي الرسالة الخفية للرواية حول واقع مجتمعات الشرق الأوسط، وبالذات المجتمعات العربية، بما فيها المثقفون.
- فصول الرواية قصيرة ومتتالية.
- ضمير المتكلم هو السارد طوال الرواية. بلسان ميرا.
** **
- جبير المليحان