إذا كان النقد فعلاً حضارياً، فقبول النقد فعل حضاري..
الشاعر بوحيمد ولد في الرياض وتعلم في البحرين وتثقف في ألمانيا.. فهو شاعر عاش تسعة عقود، خمسة منها من القرن العشرين وأربعة من القرن الواحد والعشرين.. فقد لامس وعاصر شعراء القرن العشرين وبعضاً من شعراء القرن الذي يليه.
بدأ القصيدة كأترابه في الغزل وأطلال نجد وهذا ما نلمحه في قصيدته
(أغنية حب إلى نجد) يقول:
ألا قف بي يا حادي
فثمة بلبل شادي
على أوطان أجدادي
شجي اللحن غريد
بربك ها هم الصيد
وتلك مسارح ا?سد
مدارج أمة المجد،
بربك قف على الوادي
حنيفة ملجأ الضاد
أيا للموكب الهادي
وقد رفت له البيد
ومدت نحوه الغيد.
فحنينه يتوقد على مرابع أجداده، ويشدوهم في نبرة فخر واعتزاز بقصيدة مبسطة دون تكلف في المعاني والصورة..
ثم تتحول الصورة عند (بوحيمد) في قصيدة (انطلاقة حلم) إلى قلق واحتراق وكأن الريح تحته في قوله:
سمرت يا أقدام ما
خطبك هيا انطلقي
نطل في جوف الغدير
السامر المحدق
حتى إذا ما نثر الدوح
بقايا الورق
غمغمت الموجة نشوى
فوق صدر قلق
قدك خطاي اجتزت
بالوادي ولم تحدقي
ها زهرات الروض
تندى بالدم المدفق
حف بها الطير شجي
اللحن والتحرق
ترى في هذا الشجن الاحتواء لكل معاني المعاناة من الوجد و التحرق،كما يصب ذاك الألم والحنين في قالب البعد والنوى والفراق...
يعد الشاعر (بوحيمد) من المبشرين بالقصيدة الحديثة حيث تأثر بالشعر الغربي و انفتح على تياراته المختلفة في فترة مبكرة من الخمسينات والسيتنات الميلادية..كما نشرت له بعضا من شعره (مجلة الأديب اللبنانية)، و نشرت له مجلة (صوت البحرين) قصيدة (غيبوبة) في عددها السابع لعام 1951م.
أما البوابة التي دخلها من الشاعر وعرف بها في المملكة هي قصيدة (بما تحلمون) بعد أن تشرها له الشيخ حمد الجاسر في (مجلة اليمامة) عدد12 لعام 1954م.. التي يقول فيها:
بم تحلمون ؟
يا أيها المتسكعون
الجائعون المتعبون
أجفانكم فيها ابتهال
وعلى شفاهكم سؤال
وعلى الجباه الصفر
شيء لا يقال
بم تحلمون؟
يا أيها النفر الجياع
المدلجون بلا ضياء
العابرون على السهوب
بلا متاع
بم تحلمون؟
يا أيها الراعي الكئيب
المستظل على الكثيب
أطفالك الزغب الهزال
الهائمون على الرمال
بم تحلمون؟
يا أيها المتململون
الساخطون على التراب
الضارعون إلى الضباب
المقتفون خطى السراب
بم تحلمون؟
نجد الشاعر في هذه القصيدة يحيك أسئلة عن حلم يخالطه يأس في لغة لا تنام من حمى وجع في مفرداتها (متسكعون،
جائعون، متعبون، متململون، هائمون، ساخطون، ضارعون، مقتفون) تختزل صوراً في غاية السأم والضجر..كأنه يحمل في يده جمراً.
إذاً هو يتحدث عن هؤلاء المهمشين في الحياة، البسطاء الذين يبحثون دوماً عن الحلم المستحيل.. ويسبر طريق معاناتهم وكأنه منهم و معهم. كما يبقى الواقع دائماً هو المنهل الفياض للإبداع الذي يتوج على عرشه الإنسان كجوهرة حقيقة في كف الوجود.
العابر في ديوان (قلق) يتنقل في حقول بين الألم والقلق تارة وبين الشكوى وله من الغزل العاشق المتيم نصيب..
تصيب دهشة المعاني المثقلة ببساطة اللغة، وهيئة القصيدة. فالشاعر في ديوانه هو ذا الطفل الذي لا يهرم روحياً.. وهو ذاك الشاعر المخلص لقصيدته أعطاها من شعوره وروحه كل ما تستحق.. كما ترجم قصيدتين للشاعر الألماني (أريش فريد) نشرتا في مجلة اليمامة عام 1964م عدد (22).
** **
- محمد الشقاق