الموت، الفكرة الأعمق في الحياة والنظرية التي لا تحتاج إلى تجارب لإثبات صحتها، مأوى كل الأشياء التي بلا مأوى والصراط الذي سيمر عليه الجميع.
لا أحب أن يبدو هذا الحديث من بدايته بداية مخيفة لكني كلما أردت الكتابة عنه أقف أمام الورق الفسيح وأقول لنفسي ماذا أكتب؟ كيف أكتب عن شيء لا أعرفه، والمعروف عنه هو جلاء الأشخاص ومحوهم من خارطة الوجود وأخذهم معه إلى وجهة أخرى لا نعرف عنها إلا معرفة قليلة.
في كل مرة يحضر فيها الموت ليأخذ أحد الأرواح معه لم يكن يمنعنا من أن نُعايش هذا الانتقال وهذا الانتهاء من الحياة سوى الهلع الذي خلفه وجوده في أنماط كياناتنا.
يمكن له أن يُثبّت فكرة أن كل شيء مُعرض للتغيير في أقل من ثانية، ويمكنه أن يغرس في أمخاخنا أن في مساحاته إقامة هائلة لا تحفل بوقت أكيد ولا بعدد سكان مؤكد.
الموت بمدلوله غير المُحاط به يقتحم أفهامنا القاصرة فنشعر بصعوبة العثور على مصطلح ثابت بفهم محدد ليشرح لنا ما كيفيته!
إنه مثل بعض الأشياء التي تمر من أمامنا دون أن نتمكن من رؤيتها، نستطيع فقط أن نرى آثاره المحسوبة بدقة وهي تُلبس كل شيء بلون غامض ونكهة عالية في الألم.
الموت الفعل الطبيعي الأخير للإنسان، رغم انزلاق هذه العبارة ونعومتها إلا إنها تحمل حشدًا كبيرًا من التفكر والتأمل.
الفقد الذي يتركه الموت في الحياة يكفي لوحده كجواب وأي اجتهاد تفسيري في سرده فهو كلام زائد.
الموت بصفته الإلزامية في إنهاء الحياة لا يعتبر أي مشاعر تقف في طريقه، فهو يعتمد على فعل الإزاحة فقط، إنه لا يأبه بجسامة الخطب الذي يُخلفه ولم تسجل حالة واحدة منذ التاريخ المكتوب وغير المكتوب أن هناك حالات عودة من أحضانه عودة كاملة بعد انقطاع، الموت متربص لا يلوي على أحد، يخطف البريق ويمضي، هو التأزم في الحلقة الأكثر حساسية في الحياة، وهو العقبة الطولية التي لا تتيح القفز منها دون رضوض أو ندوب.
الغريب أن الإنسان منذ الأزل ومنذ وجوده يقاوم الموت ويجرب كلما من شأنه أن يبقيه بعيدًا عنه، يخترع الوسائل التي تحتفظ وتحافظ على صحته وتطيل عمره ويهرب من أي طريق يمكن أن يؤدي إليه، لكنه دائمًا على أهبة الاستعداد يؤدي وظيفته في هذه الحياة وهي إنقاص روح بعد روح.
** **
- رباب محمد