م. خالد إبراهيم الحجي
إن جميع الدول المتقدمة تستثمر في مجالات البحوث العلمية والتطوير التكنولوجي وتوليها اهتماماً شديداً بوتيرة متزايدة؛ لأنها تعتبر العمود الفقري للتنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل القومي. ومن الواضح جداً أن الولايات المتحدة الأمريكية سبقت جميع الدول، وسارعت مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها إلى استقطاب المفكرين المتميزين، والعلماء المبدعين، والمبتكرين المخترعين من جميع دول العالم، وجمعت أكبر عدد ممكن من العلماء النازيين الذين كانوا يعملون على برنامج سلاح الانتقام (فاو-2)، وهو أول صاروخ بالستي يصل إلى مدار كوكب الأرض، ومنحتهم الجنسية الأمريكية، وكان لهم الفضل في تصميم (ساترن-5) الصاروخ الأمريكي العملاق الذي حمل (أبولو-11) المركبة الفضائية الأم مع المركبة القمرية (النسر) ملتصقة بها إلى المدار القمري، وعلى متنهما ثلاثة رواد أمريكيين، وعنها انفصلت المركبة القمرية النسر وهبطت لأول مرة على سطح القمر وخرج منها الرائدان: بيوز ألدرين، ونيل آرمسترونج، ومشيا على سطح القمر، ثم عادت مركبة النسر إلى الأم التي بقيت محلقة في المدار القمري تحت قيادة الرائد الثالث لتأخذهم جميعًا إلى الأرض.. كما نشاهد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدمت وازدهرت في جميع مجالات العلوم وتطبيقاتها التقنية والتكنولوجية الحديثة بسبب جهود المفكرين المتميزين، والعلماء المبدعين، والمبتكرين المخترعين الذين منحتهم الجنسية الأمريكية، وبقوا فيها إلى آخر حياتهم؛ وتفيد الإحصائيات أن ثلاث شركات من بين كل أكبر خمس شركات تكنولوجية في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تأسيسها من قبل الجيل الأول أو الثاني من المتجنسين المهاجرين، مثل: آبل، وفيسبوك، وجوجل. وهذه الشركات العملاقة مجتمعة توظف حوالي مليوني فرد، وتزيد قيمتها السوقية على (2) تريليون دولار. كما أن المتجنسين كان لهم دور جوهري في تأسيس نسبة (40 %) من الشركات المسجلة على مؤشر الثروة الأمريكي (فورشن - 500)..
وعند مقارنة الوافدين العاملين في الدول الغنية مع المتجنسين فيها من المفكرين المتميزين، والعلماء المبدعين، والمبتكرين المخترعين نجد أن المتجنسين يتميزون بالمهارات اللغوية التي تقترب من أصحاب الدولة نفسها، والمستويات العلمية المتميزة، ويحققون معدلات إنتاج أفضل، ويحصلون على دخل مالي ومادي أكثر، وينخرطون في المجتمعات وكأنها أوطانهم الأصلية، ويقدمون الفوائد الاقتصادية التي تعود على الأوطان من نفقاتهم الاستهلاكية، ويُخْلِصون في خدمتها، ويتفانون من أجل رفعتها وتقدمها أكثر من الوافدين الذين يعملون لفترات مؤقتة ومحدودة إلى حين عودتهم لأوطانهم.. ومن خلال ماسبق يتضح أن فتح باب التجنيس في المملكة العربية السعودية لن يؤثر على العلماء المتميزين والمبدعين السعوديين، بل يعتبر طوق النجاة لهم، ولجميع العاملين في (147) مركزا ومعهد أبحاث تتبع لعشر من الجامعات الحكومية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وثلاث وزارات، ويتمتعون جميعهم بدعم الحكومة الذي لا مثيل له، ويحظون بميزانيات ضخمة تقترب من ميزانيات الدول المتقدمة، وربما توازيها أو تتفوق عليها؛ لأن مجالات البحوث العلمية والإبداع، والاختراعات التكنولوجية تتسع وتقبل المنافسة العالمية. ووجود المتجنسين جنبًا إلى جنب مع السعوديين سيؤدي إلى المنافسة العلمية الشريفة بينهم، ويشجعهم على نشر مخرجاتهم البحثية، وأفكارهم الإبداعية لتطبيقها عمليًا، وتحويل ابتكاراتهم التكنولوجية إلى منتجات تجارية يستفيد منها الوطن على أرض الواقع..
لذلك فإن قرار الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية الخاص بفتح باب التجنيس للمفكرين المتميزين، والعلماء المبدعين، والمبتكرين المخترعين من جميع أنحاء دول العالم، واستقطابهم إلى السعودية يعتبر قرارًا صائبًا يصب في المصلحة الوطنية، ويعد أقصى ما انتهت إليه الإدارة الإستراتيجية المبصرة الناجحة، ومسارًا سريعًا وخصبًا لتعزيز الكفاءات المحلية ودعمها ورفعها، ونقل المعرفة في جميع المجالات المختلفة، والعلوم التقنية الحديثة التي يحتاجها الوطن لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتحقيق الأهداف الوطنية نحو التقدم والتطور والازدهار.