نوف بنت عبدالله الحسين
قالت لي.. ترقّبي المفاجأة القادمة، فقط أعطيني الموافقة لأهرب بك قليلاً لعالم ساحر مختلف، كوني على الموعد، السبت بتاريخ 9 نوفمبر 2019م الساعة 7، استعددت وتهندمت، وذهبت إلى (بوليفارد) الرياض، أجر خيبة اختيار كعب عالٍ متعب، تدفعني اللهفة للوصول إلى بوابة المكان، فمشيت كمن يتعلّم المشي ويقاوم السقوط، وأنا أحدث نفسي بأني سأنتقم منها على موعد متعب هناك، وبمجرد أن رأيتها اختفت رغبة الانتقام ليحل محلها شعور بالامتنان، وحديث لا يمكن أن ينتهي معها، وفنجان قهوة قبل بدء المسرحية، ثم...
توجهنا هناك إلى مسرح أبو بكر الشدي، وجلسنا في مقاعدنا، ننتظر بلهفة تجربة الحضور لمسرحية من المسارح العالمية، وما إن فتح الستار، حتى بدأت الدهشة الطفولية تملأ أعيننا..
بدأنا نتصفّح المسرحيّة بأعيننا، مشدوهين مذهولين، منبهرين من الملك لير (يحيى الفخراني) وبناته الثلاث، وقصة وجدانية تنقلنا بقوّة السيناريو إلى عالم آخر، وفن آخر، في عاصمة بلادي الرياض الحبيبة.
لم أحضر سوى مسرحيّتين في حياتي إحداهما الواد سيد الشغال في القاهرة بجمهورية مصر الشقيقة وكانت مسرحية مذهلة ضحكت فيها كثيرًا وما زالت أضحك إلى الآن، لكنني حضرتها صغيرة في المرحلة المتوسطة، ومسرحية أخرى لم نكملها أنا وأسرتي، ثم فترة من السبات الطويل عن عالم المسرحيات.
كانت أغلب ثقافتنا عن المسرح هو المسرح الكوميدي، وحين كنّا نقرأ مسرحيّات شكسبير، كان يصعب فهم تجسيده على المسرح، ثقافة تأخرت كثيرًا، لكنّها وصلت، وحين وصلت كانت مدهشة..
من الممتع خوض تجارب جديدة، تنقلك لعوالم أخرى، وتعيد لك شغف الحياة من جديد، وأظن أن هناك مرافئ متعددة، وخيارات كثيرة، فاختر ما شئت، وتنقّل في الرياض واكتشفها من جديد، كأنك ترى الرياض لأول مرة.
ما أجمل أن تشعر أن العالم أصبح بين يديك، وأنك تقترب من جميع الثقافات والمعاني، وتشاهد الأعاجيب، كأن ترى شجرة ناطقة تحدّق بك وتتحدّث معك، أو ترى وردة ترقص لك، أو حتى تشاهد عمالقة يسيرون معك!
تخيّل أن يحدث كل هذا وأكثر هنا بجوارك، وتجد الأجمل ينتظرك.
كنت كغيري قبل بدء الموسم متخوّفة، كنت أخشى على القيم من الاهتزاز، وعلى المبادئ من الاندثار، لكن الآن أدركت الأمر، بأنها مسؤولية الجميع، أنت سفير بأخلاقك وقيمك ومعانيك وسموّك، وبالتالي كن جاهزًا، لأن تكون راقيًا، وأن تتعامل مع القادم بشكل يليق بك، تعلّم كيف تفرح دون أن تشوّه الفرحة، أن تحترم الاختلاف وتتقبّله، وليس بالضرورة أن تكون مثل الآخرين، أن تعتز بهويّتك دون أن تذيبها، وأن تكون إيجابيًا بأفكارك، ألا تبالغ كثيرًا في أي شيء، وتذكّر فأنت في موقع اختيار فلا أحد يفرض عليك شيئًا، فاختر ما يناسبك، وما تراه ليس لك فدعه.
وبعد... فقراءتي لموسم الرياض، هو موسم شامل لكل الأعمار، وكل الأهواء، وكل الجنسيّات، وبالتالي، إن كانت هناك من ثغرات، فهناك إيجابيات، وصناعة الترفيه ليست فقط على جانب واحد، بل حتى على الجانب الثقافي والفنّي، تجربة الرياض كانت مذهلة، وأظنها ليست سوى بداية لأن تكون انطلاقة نحو تحوّل ثقافي واجتماعي قادم، يجعل الرياض أروع وأحلى.
بقيت نقطة أخيرة.. أيها الأحبة حافظوا على جمال الموسم، لا ترموا علبة فارغة على الأرض، إذا انتهيت من كوب القهوة الورقي ارمه بسلّة المهملات الخاصة، لا تترك علبة الفشار بعد انتهاء الفيلم على المقاعد، فقد كان مقعدك نظيفًا قبل أن تأتي، انتقِ عبارات تمثّلك بأجمل صورة، وانتبه لصورتك الخارجية، فالآخرون يحكمون على الظاهر، لذا اجعل صورتك تعكس أجمل المعاني النبيلة عنك، أؤمن بأن الكل رائع، والأروع أن تظهر هذه الروعة في سلوكك، وأخيرًا، لا تكن كالملك لير حين عض أصابع الندم بعد أن فرّط في أجمل ما يمكن، بل حافظ عليه ليدوم لك.
وأخيرًا... تخيّل واستمتع.