د. عبدالحق عزوزي
قتل منذ أيام قليلة في بوركينا فاسو 35 مدنياً بينهم 31 امرأة في هجوم مزدوج نفذه جهاديون شمال البلاد، في أحد أكثر الاعتداءات دموية في تاريخ هذا البلد الواقع في منطقة الساحل المضطربة. كما أعلنت السلطات الحداد الوطني 48 ساعة في البلاد. وأعلن الرئيس روش كابوري شخصياً، على تويتر حصيلة «هذا الهجوم الهمجي». وأشاد الرئيس في تغريداته على تويتر «بشجاعة والتزام» قوات الدفاع والأمن التي «صدت الهجوم على كتيبة أربيندا».
وكتب رئيس الدولة ليل الثلاثاء الأربعاء الماضيين «في يوم عيد الميلاد نفكر بورع في العائلات التي فجعتها الهجمات الإرهابية في بلدنا ونقف مع جنودنا الشجعان الذين يحاربون باستبسال من أجل ضمان أمن الأراضي الوطنية». وأضاف الرئيس ورئيس أركان جيش بوركينافاسو الذي أعلن عن وقوع الهجوم في بيان قبيل ذلك، أن أربعة جنود وثلاثة دركيين قتلوا «وتم تحييد ثمانين إرهابياً»، بما يعني أنهم قتلوا. وقال رئيس أركان الجيش في بيان له إن «مجموعة كبيرة من الإرهابيين هاجمت بشكل متزامن قاعدة عسكرية وسكان أربيندا المدنيين» في إقليم سوم.. موضحاً أن الهجوم كان «كثيفاً» واستمر «بضع ساعات». وقالت هيئة الأركان إن «نحو مئة دراجة نارية وأسلحة وذخائر بكميات كبيرة صودرت أيضاً».
كما أعلن وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة ريميس داندجينو في بيان له أن «الإرهابيين قتلوا بجبن خلال فرارهم 35 مدنياً بينهم 31 امرأة، وتسببوا بجرح ستة أشخاص». ويعد هذا الهجوم واحداً من أكثر الهجمات دموية في هذا البلد الذي يشهد منذ 2015 هجمات متكررة لجهاديين مثل جارتيه مالي والنيجر اللتين تعرفان بدورهما موجات متكررة من العمليات الإرهابية الدموية ومن ضعف المؤسسات الأمنية. وتتكرر هجمات الجهاديين في منطقة الساحل رغم تشكيل قوة عسكرية إقليمية وانتشار آلاف الجنود الفرنسيين. الذين يملكون كل أنواع السلاح والعتاد.
وفي بداية هذا الشهر في أعقاب مقتل 13 جندياً فرنسياً في مالي في حادث تصادم بين طائرتي هليكوبتر أثناء مهمة قتالية، استدعى الرئيس الفرنسي ماكرون رؤساء دول الساحل الخمس إلى قمة في مدينة بو في جنوب غرب فرنسا لتتضح له الرؤيا حول موقف هؤلاء من التواجد العسكري الفرنسي في بلدانهم.. ولكن الأسلوب الذي اتبعه الإليزيه أثار حسب المتتبعين استياء في أوساط كثيرين في القارة السمراء، إذ شعر هؤلاء بأنّ ما صدر عن الرئيس الفرنسي هو أقرب إلى «استدعاء» لرؤساء دول تتفاقم فيها أصلاً مشاعر مناهضة لفرنسا.
وقال الرئيس الفرنسي مؤخّراً: إنّ بلاده لا تستطيع مكافحة الجهاديين بمفردها في منطقة الساحل، حيث ينتشر 4500 عسكري فرنسي في إطار قوة برخان، مطالباً قادة دول مجموعة الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا) بـ»التزام سياسي واضح». وأردف في مناسبة أخرى: «لا يمكنني أن أطلب من جنودنا أن يخاطروا في سبيل مكافحة الإرهاب وضمان أمن هذه الدول، وأن يكون هناك من جهة أخرى رأي عام في هذه الدول نفسها مقتنع بأكاذيب».
يقيني أن فرنسا بدأت تشعر بخطورة الإرهاب المتواصل في المنطقة وبخطورة الرياح المناهضة لفرنسا في المنطقة بعد ست سنوات من تواجد قواتها العسكرية وسقوط 41 قتيلاً منها.. فالدول هناك دول ضعيفة، والمؤسسة الأمنية غير قادرة على حماية حدودها بتمكن، ولا على محاربة تغلغل الحركات الإرهابية العابرة للبلدان والقارات.. وإذا كان التدين الصوفي الشعبي (القادري-التيجاني..) هو الحاضر منذ القدم في تلكم المجتمعات لعوامل تاريخية، فإن الاتجاهات المحافظة المتزمتة بدأت تطرق أبواب تلك الدول بطريقة مثيرة، إلى أن وصلتها الجماعات والحركات الإرهابية القادمة من الجزائر والصومال والنيجر، وهي اتجاهات لم تعهدها دول في السابق كالنيجر، حيث يمثل فيه المسلمون 60 في المائة وهم مالكيون سنيون.. وبوركينافاسو، والمسلمون فيه مالكيون ومتصوفون بطبيعتهم، حيث تسود علاقة الشيخ والمريد. ولا يخفى على كل متتبع للأنظمة السياسية في هاته المنطقة الجغرافية الحساسة الممتدة بين ليبيا وتشاد ومالي والنيجر وبوركينافاسو أنها أنظمة خاوية على عروشها لا من حيث التمثيلية الديمقراطية ولا من حيث الإمكانيات الاقتصادية ولا الحضور الأمني الفعال في داخل المدن وعلى الحدود، لتبقى فريسة للتنظيمات الإرهابية التي بدأت تنظر إليها كمنطقة صالحة للاستيطان واستقطاب البشر.