أ.د.عثمان بن صالح العامر
أرى لزامًا عليّ، وأنا بصدد (دراسة وتحليل حالة)، أن أحدد في البداية مسلَّماتي التي انطلقتُ منها، وبنيتُ عليها جزمي هذا في شخص صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز أمير منطقة حائل، الذي يحلو لأهالي المنطقة نعته وتلقيبه بـ«وجه السعد»، التي هي بإيجاز شديد:
* هناك من يرى أنه لا فرق بين القائد والمدير، وآخرون يذهبون إلى أن ثمة فارقًا بينهما، ويختلف هذا الفارق اتساعًا وضيقًا، قوة وضعفًا، من شخص لآخر. وأنا في طرحي هذا من أنصار المدرسة التي ترى أن هناك فرقًا بين «القيادة» و»الإدارة» - كما هو واضح من عنوان المقال - مع قناعتي التامة بأن بينهما نقاط التقاء عديدة، تحدَّث عنها أهل الاختصاص، ليس المجال هنا مجال التعريج عليها والحديث عنها. ولا يعني هذا أن هاتين السمتين لا تجتمعان في شخص ما؛ فقد يكون القائد الناجح إداريًّا بامتياز، ولكن الغالب في مؤسساتنا الحكومية - للأسف الشديد - أن هناك قائدًا لا يحمل صفات الإداري، وإداريًّا لا يتجاوز حدود محددات هذا المصطلح. كما أن هناك من يستقل بعقله مغلقًا منافذ قلبه، وآخر يستفتي قلبه دون أن يلتفت بما يجب عليه عقلاً ونقلاً.
* إن القيادة وإن كانت تتطلب العقل والقلب معًا إلا أنها إلى الثاني أقرب منها للأول، خلاف الإدارة التي هي بكليتها عمليات عقلية محضة؛ ولذلك كان الحديث في الكتب المتخصصة عن (القيادة بالحب) الذي محله القلب، وصاحبة نظرية القيادة بالحب (Management by love) كاثلين سانفورد (Kathleen Sanford)، مؤلفة كتاب (القيادة بالحب: كيف تفوز المنظمات بالحنان والقيادة بالفطرة)، شبَّهت القائد المحب بالأم؛ فطبيعة حياتها العملية لا تخلو من ألم، ولكن نبل الرسالة، وعظمة النتائج، يدفعان الأم إلى المزيد من التضحية، وإنكار الذات، والفداء.
ومع أن صاحبة هذا النظرية، التي اعتبرها البعض النظرية المثلى للقرن الحادي والعشرين، وجدتْ في الأم خير دليل وبرهان على حقيقة ما ذهبت إليه، فإنني أرى في شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لنا فيه أسوة حسنة المثال الأبرز في التصديق على نموذج القيادة القلبية، وفي الوقت ذاته الإدارة العقلية، حيث الذكاء والفطنة والكياسة والدهاء.. ومن أراد الشاهد والتبيان فليرجع إلى سيرته -صلى الله عليه وسلم- العطرة؛ ففيها ما يبرهن على جمعه بين القيادة والإدارة، وتمتُّعه بتحقيق التوازن بين العقل والقلب حين ممارسته أعماله الحياتية المجتمعية في مجتمع خير القرون. وصدق الله -عز وجل- الذي وصفه في كتابه الكريم {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. دمتم بخير، وتقبَّلوا صادق الود. وإلى لقاء في مقال الثلاثاء القادم بإذن الله. والسلام.