د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
بامتداد حلقاتٍ في صفحته بـ: «سناب شات» -محفوظةٍ بقناته عبر «تيليغرام»- قدّم صاحبُكم سلسلةً عن «الحصار الذهني والتعصب»، ورأى فيها أن التعصب – بكل مكوناته الرياضية والاجتماعية والانتمائية – وليدُ الحصار الذهني الذي قد يبتدئُ لدى الواحد فينا إعجابا بنادٍ معين أو اتجاهٍ محددٍ أو رؤيةٍ خاصةٍ فتنغلق في عقله مساحاتٌ معرفية وحركية ووجدانية تسكنُها اتجاهاتٌ أخرى ولا يجد منافذ تُوصله إليها، وحين يُحكم الحصارُ دوائرَه المغلقة يحِل التيهُ محل الوعي، ويتحول الإعجاب المشروع إلى كرهِ كل ما يناوئُ عشقَه أو انتماءهَ أو مذهبَه.
** يبتدئ الحصار بالحب وينتهي بالبغض، والدوائر المغلقة التي تحيط بالمحاصَر تحجبُ عنه الشمس، وربما قاده ضيقُها وتضييقُها إلى ما وراء التعصب، ومن يطلع على الفكر الأحادي يجده مبنيًا في استراتيجياته وخططه على تكثيف دوائر الحصار الذهني حول المستهدَفين موديًا ببعضهم نحو التشدد، ومؤديًا ببعضٍ آخر نحو التكفير، وهل الإرهاب إلا ناتجُ الإغلاق فالإملاق.
** حديثٌ موثق في القناة لمن شاء مشاهدتَه، ليمتدَّ الحديث هنا نحو الحصار الثقافي الذي يمارسه كثير ممن يُسمون مثقفين حين يغلِّفون آراءهم بالتخويف من الغد وبث طاقة سالبةٍ تنعي الواقع وتشوه الوقائع وتُلجئ المتابعين إلى الاكتفاء فالانكفاء، والمكتفون يتوقف نموهم، والمنكفئون يتبرمون ثم يتبرؤون فيُرتهنون، وهو موروث تأريخي تشكو منه كل الثقافات، ولن نعدم في استقراءاتها من ينعى اللغة الجميلة والفن الراقي والمستقبل المعتم.
** أشار إلى مثل هذا الباحثُ والروائيُّ الإيطالي «أمبرتو إيكو 1932- 2016م» حين قال في حوارٍ سبق وفاتَه: إنه قلق على مستقبل أولاده لما تنشره الصحف من صورٍ قاتمة عن الآتي، مردفًا تخوفه بتخفيفه؛ فكذا دأبت الأجيال عبر عصورها، ومستشهدًا بنصوص من القرنين الثاني والثالث عشر الميلاديين، وبمقولات ونقولاتٍ عن «بلزاك» و»شوبان» و»دوستويفسكي» وآخرين.
** لم يكن عابرًا تصريحٌ لوزير الصحة قبل أيام عن اكتشاف خمسة آلاف حالة اكتئاب في مدارس وزارة التعليم، ولو تبنت وزارة الثقافة مشروعًا مماثلًا بين المثقفين لوجدت أرقامًا تستحق العلاج قبل أن تتخطاهم الحالة المؤرقة إلى أجيال مشرقة، وقد وثَّق المثقفون أنفسُهم عن أنفسهم حالاتِهم النفسيةَ المتراجعة التي أفضت ببعضهم إلى الانتحار، وما يبثه ثللٌ من المثقفين والتربويين والإعلاميين من مثبطات كفيلٌ بمضاعفة أعداد المكتئبين والمكتئبات بين طُلَعة الأمة.
** الحصار الذهني يبتدئ بحسٍ وينتهي ببؤس، وحق أبنائنا علينا حمايتُهم من ذوي الطاقات السلبية التي تحيل النور إلى ديجور والأمل إلى ألم، وقد روت الصحفية اللبنانية «جمانة حداد 1970-» في كتابها: سيجيئُ الموتُ وستكون له عيناك – 2007م» أن القرن المنصرم شهد انتحار مئةٍ وخمسين شاعرًا وشاعرةً من ثمانيةٍ وأربعين بلدًا يكتبون بعشرين لغة، وفيهم عربٌ أسماءُ معظمهم معلنة، والرقم ممتد بغير الشعراء وإحباط المشاعر.
** الحصار وأدٌ للقرار.