عبدالعزيز السماري
عندما أسمع أحد رواد التنمية في شرق آسيا ينتقد التجارب العربية الفاشلة في التطور، أشعر بالهزيمة أمام التاريخ والعالم، وأمام النظريات الحديثة في الاقتصاد والتنمية،، وأشعر بمرارة أكثر عندما جاءت الفرص على أطباق من ذهب لكثير من الدول العربية، بعد اكتشاف الثروات النفطية وغيرها من الثروات الخام في بلادهم، لكنهم أضاعوها، وأي فرص أضاعوا، لبدء مشروع الحداثة والتنمية الشاملة كما حدثت في الصين وكوريا الجنوبية وقبلهم اليابان..
فشلت الدول العربية لأنها استثمرت فقط في اقتصاد جذب العملة الصعبة من جيوب السواح الأوربيين، وكانت الضحية انتشارًا للفساد ومظلة لتجارة الظل، وكانت النتيجة كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يمكن أن تغيب عن أي زائر عابر لتلك الدول..
بينما كان الحال مختلفًا في النمور الآسيوية، وخصوصًا كوريا الجنوبية، في عام 1894 بدأ برنامج للإصلاحات الاجتماعية، والمعروفة باسم إصلاحات «كابو»، من قبل المسؤولين الكوريين الموالين لليابان، وتم إلغاء امتحانات الخدمة المدنية الكونفوشيوسية القديمة، وانتهت حالة العبودية والرقص، وتم تبني أشكال حديثة من الإدارة، مستعارة إلى حد كبير من اليابان.
للتاريخ ساهم اليابانيون في أول حلقات التطور الكوري أثناء استعمارهم، بإنشاء السكك الحديدية والطرق السريعة والمدارس والمستشفيات وأنشأوا نظام إدارة حديثًا، كانت هذه التغييرات تهدف إلى ربط الاقتصاد الاستعماري بفعالية أكبر مع اقتصاد اليابان، مهما كانت معاناة الكوريين مع الاستعمار الياباني.
أثار نموذج التنمية في كوريا الجنوبية الأسئلة الكبرى عن كيفية تحول هذا البلد من واحدة من أفقر دول العالم إلى قوة اقتصادية عظمى في أقل من 50 عامًا، وقد تم الترحيب علمياً بالنموذج باعتباره أحد أفضل الأمثلة على التصنيع السريع مع تكاليف اجتماعية وبيئية قليلة نسبيًا، ومن الواضح أن هؤلاء المراقبين لم يغامروا أبداً خارج سيول، وتتضح التكاليف الاجتماعية والبشرية والبيئية كلما ابتعدت عن المراكز الحضرية.
ما زال هذا النموذج مثارًا للبحث العلمي والتقصي، وكيف استطاعت تجاوز فقرها لتكون من أوائل اقتصاديات العالم، فقد توصلت إلى فكرة اختزال تجارب الآخرين في تاريخ الحضارات، فالمجتمع الحديث هو المجتمع الصناعي، وتحديث المجتمع هو أولاً وقبل كل شيء صناعته من جديد خارج الاقتصاد الريعي..
نحن في حاجة ماسة لاقتفاء أثر النمور الآسيوية قبل فوات الأوان، وتوجيه الثروات لتأسيس الشركات الصناعية الكبرى لدفع عملية التعليم الموجه لخدمة الاقتصاد، واستغلال سواعد الشباب من أجل اللحاق بركب التحديث للوصول إلى مرحلة التنمية الصناعية الشاملة. وأي مسار آخر خارج هذا النطاق سيعود بك إلى الخلف البعيد، وإلى أزمنة ما قبل التاريخ، فهل استيقظ العرب من اقتصاد العملة الصعبة...