م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. السفسطة كما نفهمها اليوم كلمة مذمومة ملوثة.. فهي تعني الفذلكة بلا معنى أو الجدل للانتصار أو الكلام الفارغ وغيرها من المعاني التي تهين من يعملها.. رغم أن أصل الكلمة كان لها شأن عظيم وقرنت بالحكمة زمن الإغريق.
2. السفسطائيون هم فئة المعلمين المتجولين الذي يعلمون الناس فن الكلام والإقناع وقوة الحجة وطرق المراوغة وكسر الحجج المقنعة.. وكان فن الكلام في الزمن الإغريقي الأول فنا في غاية الأهمية.. فقد كانت الحكومة الإغريقية تقوم على الديموقراطية القائمة على حذق التعبير وبراعة الإقناع.
3. فلسفة السفسطائيين تقول إن الحقيقة نسبية.. وإن مقياسها هو مصلحة الإنسان ورغباته وشهواته.. لأن الإنسان هو مصدر الحقيقة فعليه أن يتعلم فن الإقناع.. ليستطيع جذب الناس والفوز في الجدال مع الخصوم والقدرة على التأثير في الحكام ليحكموا لصالحه.
4. فلسفة السفسطائيين انتشرت في بلاد الإغريق.. وكانت هي الدرس الأول الذي يلقن للأبناء والناشئة.. وينشأ الفتى فيهم وهو يؤمن بتلك الفلسفة ويعمل بها.. حتى ظهر (سقراط) الذي حاربها ووجه الفلسفة إلى خدمة عامة الناس لا خدمة المصلحة الشخصية.. وكانت معركته مع السفسطائيين عظيمة أدت إلى إعدام سقراط في يوم مشهود.
5. بعدها أخذ الراية تلميذه (أفلاطون) الذي ثابر على إكمال رسالة معلمه سقراط.. لكنه اختلف عنه بأنه نقل مقاومته من المشافهة إلى الكتابة.. وبهذا الفعل أسس مدرسته للفلسفة.
6. بعد موت (أفلاطون) استأنف مهمته تلميذه (أرسطو) الذي أطلق عليه التاريخ (المعلم الأول).. وهو الذي وضع علم المنطق بشكله الذي لا زلنا نعرفه حتى اليوم.. في مرحلة (أرسطو) تم القضاء على فلسفة السفسطائيين.. وتحولت السفسطة من سمة للحكمة إلى سُبَّة للمفكر الذي يوصم بها.
7. بعض المفكرين يرون أن اندثار فلسفة السفسطة لم يكن نافعاً كله بل ضار في جزء منه.. فللسفسطة وجه صائب لأنها تمثل وجهاً من أوجه الحقيقة.. فالحقيقة ذاتية وموضوعية معاً.. لكن منطق (أرسطو) قضى على السفسطة.. وبالتالي تم إهمال نسبية الحقيقة مقابل كونها مطلقة واستبعدت ذاتية الحقيقة مقابل الموضوعية.
8. من سلبيات منطق أرسطو أنه أدى إلى عزل المفكرين عن العامة.. أي أنه جعل المفكرين في برج عاجي مع حقيقتهم المجردة المطلقة.. وترك عموم الناس تصارع تكاليف الحياة ومتغيراتها.. وخلق مشاعر متنافرة بين المفكر والفرد من العامة.. فعزل المفكر بعيداً عن الحياة الحقيقية التي يعيشها الناس.. لأنه يحتقر فكر العامي وعمله ونمط حياته.