د. محمد عبدالله الخازم
اتهمني صديقي أبو ناصر بأنني غير قادر على الانفكاك من التقليدية مستخدمًا مثال إصرارنا على النشر الورقي الصحفي، بينما الأجيال الجديدة لديها وسائلها المتنوعة، واعتبرني متقاعسًا في نشر فكري بدليل أنه لا يوجد لدي سوى نحو نفر قليل من المتابعين. طبعًا دافعتُ عن الصحافة، وبأنها تظل المصدر الذي يمكن نقل محتواه عبر وسائل أخرى غير ورقية. كما أخبرته بأن المتابعين لا يقاسون بمجرد العدد، ولو كان الهمُّ هو الرقم لسعينا لزيادته، والأمر ميسور.
عمومًا، ليس هذا موضوعنا، لكن تهمة الصديق حفزتني للتحاور مع الأجيال القادمة في هذا المجال، وهذا ما فعلته بتخصيص أكبر وقت ممكن خلال زيارتي معرض الكتاب للتواصل مع الشباب والشابات للتعرف على آليات تفكيرهم/ مبادراتهم/ توجهاتهم.. إلخ. لقد تعلمتُ أمورًا جديدة من خلال تلك الحوارات التي أكملتها بحوارات مع الأبناء.
ليست الإشكالية محتوى مقالاتنا، لكن أغلب ملاحظات الجيل الجديد هي حول الوسائل، وآليات التواصل والنشر للمحتوى. على سبيل المثال: خرجتُ بفكرة جذابة، تتمثل في تحويل كتابي إلى رسومات معلوماتية (إنفوقراف) بدلاً من مجرد نص تقليدي. اكتشفتُ أنني لا أجيد فعل ذلك؛ لذلك وضعتُ أحد أهداف العام الجديد الحصول على دورات تساعدني في هذا الشأن، رغم استعداد الزملاء بتنفيذ الفكرة دعمًا لي. لكن يبدو لي أنني سأكون أفضل بفهم كيفية عمل ذلك، سواء قمت به، أو ساعدني فيه آخرون. زميل آخر اقترح مقاطع (يوتيوب)، وهذه استعد ابني ليكون المخرج لها. وهناك مَن اقترح تأسيس «سناب»، وهو ما لا أجيده كذلك. نحن نخشى الاقتراب مما لا نجيده، لكنهم أسعدوني بقضاء وقتهم يشرحون لي، ويقدمون النماذج المختلفة. وها أنا بكتابة هذه الأفكار أضع نفسي تحت ضغط الالتزام بدراسة المقترحات بجدية، وربما تنفيذ ما هو مناسب منها.
قضيتُ وقتًا مع الشباب للتعرف على مبادراتهم الثقافية الصغيرة التي أرجو أن تكبر؛ لنراها في القمة، صغيرة في محتواها، وفي صغر سن القائمين عليها وحماسهم. ما الذي يجعل شابة تتبنى تنظيم صالون حواري مع ما يلزمه ذلك من التزام وتكاليف وترتيبات؟ ما الذي يجعل شبابًا صغارًا يتبنون مبادرة للقراءة الصوتية، أو لتوزيع الكتب المستعملة، أو غير ذلك من مبادرات، سمتها الغالب الشغف والعمل غير الربحي؟ مَن قال إن الجيل القادم عقله فارغ، وليس لديه طموحات ورغبة في العمل الثقافي والاجتماعي والتطوعي؟ لقد تساءلت حينما خرجتُ من المعرض متأملاً كم مبادرة غير ربحية أعمل عليها بشغف؟ علينا أن نخجل من أنفسنا وبعضنا لم يجد ما يعمله بعد تقاعده سوى إطفاء اللمبات وإشعالها، بدلاً من الانخراط في أعمال تطوعية ومجتمعية وغير ربحية!
شدتني فكرة تدمج مشروع مقهى مع مشروع نشر عبر نموذج ريادة أعمال مختلف. كنا نعتقد أن دور النشر فكرة مستهلكة، لا جدوى اقتصادية منها، لكنّ هذا جيلاً يغامر، ويجرب تقديم مشاريعنا الفاشلة بطريقة جديدة وجذابة، وبطرق ريادية مختلفة. أتمنى لهم التوفيق.
انتهت المساحة، لكن التحفيز والجمال والأثر الذي تركه أولئك الشباب والشابات في نفسي ألهمني ومنحني الأمل والتفاؤل بالمستقبل.. شكرًا لكل مَن قابلته وحاورته.