محمد آل الشيخ
وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الأسبوع الماضي قانونًا أطلق عليه اسم (قانون قيصر)، يتعلق بحماية المدنيين السوريين من بطش الرئيس السوري بشار الأسد، بعد أن استطاع مصور سوري مغادرة سوريا ومعه آلاف الصور الفوتوغرافية الموثقة لما يتعرض له آلاف السجناء المعتقلين المعارضين لنظام الأسد من تعذيب وتنكيل وسحق بشع وشرس وغير مسبوق على يد جلاوزة الجهاز الأمني السوري. المعارضة السورية في الولايات المتحدة قدمت هذه الصور التي ظهر فيها المعذبون بصور تفوق الوصف، وبطرق في منتهى البشاعة والهمجية إلى الكونجرس الأمريكي؛ وبعد أن قامت جهات البحث والتحقيق الأمريكية بفحص الصور والتأكَّد من صحتها وموثوقيتها، توصلوا بشكل قاطع إلى أنها صحيحة 100 في المائة، الأمر الذي استفز جميع أعضاء الكونغرس الأمريكي بغرفتيه الشيوخ والنواب بعد عرضها عليهم، وقرروا إصدار قانون يبقى تنفيذه واجبًا حتى وإن تغير الرئيس الأمريكي، يقضي بتتبع ومحاكمة مجرمي النظام السوري، وقد صادق عليه الرئيس الأمريكي في الأسبوع الماضي، وأصبح من حينها واجب التنفيذ. القانون سمي بقانون قيصر حماية للمصور الفوتوغرافي الذي قام بتهريب الصور إلى الولايات المتحدة، وهو قانون في منتهى الصرامة والحزم بالشكل الذي جعله سيفًا مسلطًا على رقبة الأسد وأركان نظامه، وكل من أسهم في التنكيل وتعذيب المدنيين السوريين، والتعامل معهم كمجرمي حرب، خارج سوريا أو داخلها، سواء كانوا من السوريين أنفسهم، أو من غير السوريين، ويقضي هذا القانون بملاحقة أولئك المجرمين، ومحاولة اعتقالهم، ويمنع التعامل مع النظام السوري بأي شكل كان، من الداخل والخارج سواء كان هذا التعامل من جهة رسمية، أو أهلية، ويشمل هذا المنع الشؤون النقدية أو الاقتصادية، وكل الممتلكات العائدة لحكومة الأسد أو واحد من حاشيته، وكذلك منع إعمار ما دمرته الحرب طالما الأسد على رأس السلطة، كما تشمل هذه العقوبات النقل الجوي من وإلى المطارات السورية، ويُعامل كل من لم يتقيد بهذا القانون معاملة أركان النظام ممن لم يلتزموا بالقانون أو تحايلوا عليه. وقد أوكل هذا القانون الرئيس الأمريكي بمهمة تنفيذه، وأعطاه الحرية الكاملة لتطبيق هذا القانون بالوسائل التي يراها مناسبة.
هذا القانون من حيث قوة فحواه وتفصيلاته قانون في منتهى الجدية، ويعني بمنتهى الوضوح أن الولايات المتحدة أصبحت طرفًا قويًا وفاعلاً في الحرب الأهلية السورية، ولا يرجح المراقبون أن الروس سيحمون الرئيس الأسد، ويدافعون عن بقائه، لأن التكلفة السياسية بعد صدور هذا القانون مرتفعة، الأمر الذي سيضطرهم إلى التضحية به في نهاية المطاف، واستبداله بغيره، سواء من داخل النظام، أو آخرين ممن لم تتلطخ أياديهم بالدماء، بالشكل الذي يضمن لروسيا استثماراتها السياسية في الشاطئ الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. وليس لدي أدنى شك أن الروس قد أعدوا العدة لهذا القانون، ولديهم بديل جاهز للأسد، بعد أن دافعوا عنه وعن فجوره في سحق شعبه إلى الرمق الأخير، وليس من مصلحتهم الذهاب أكثر في هذا السياق، الأمر الذي جعل الأسد بالنسبة لهم بمنزلة وسيلة انتهت صلاحيتها، وثمنها أغلى بكثير مما تستحق.
أما الخاسر الحقيقي فهو إيران، التي ليس في وسعها مقاومة هذا القانون، وبالتالي خسارة استثماراتها السياسية في سوريا خاصة وهي الآن تمر بأيام عصيبة بسبب الحصار الاقتصادي، وكذلك تضعضع نفوذها في العراق ولبنان؛ وفي ظني أن توقيع ترمب على قانون كهذا القانون، وفي هذا التوقيت كان المقصود منه زيادة الضغط على إيران في الدرجة الأولى.
وختامًا أكاد أجزم أن أيام بشار الأسد أصبحت معدودة، وأن السنة الميلادية القادمة ستشهد سوريا غير سوريا التي نعرف.
إلى اللقاء