عبده الأسمري
عجبت وما زلت وسأظل من فوضوية الانتساب والانضمام والارتباط والانتماء الشخصي إلى دوائر الثقافة والأدب التي تعد «عهودًا مهنية» و»مواثيق أخلاقية» يجب أن يعيها أي شخص يذيل اسمه بصفة «الأديب» وينعت ذاته بوصف «المثقف» في وقت لا يشفع له علمه ولا تؤهله سيرته لأن يكون في هذا الجانب.
قبل عقد ونصف خرجت إلينا ظاهرة «المجلات الشعبية» والقنوات المناطقية» التي كانت «ملعبًا مفتوحًا» من دون حكم وبلا راية تماس وظل الراكضون فيه في وضع تسلل انهوه بلفظ الشاعر وانتهكوه بمنصب الإعلامي وكانت فيه الساحة متاحة لمن يدفع ومن يشتري ومن يبيع ومن يداهن حتى رأينا «وجيه القبيلة» رئيس مجلس إدارة و»صديق صاحب الامتياز» مديرًا عامًا وغيرها من صفقات «المصالح» ومن «مجانية المطامح» ولأن المنطق يفرض نفسه بدأت الظاهرة في الاندثار والتلاشي فذهبت معها «معالم مؤلمة» من التحايل على الظهور بسطوة المال أو لعبة الواسطة.. لكن شهوة «الشهرة» ظلت قائمة فظل المطاردون للفلاشات هائمين على وجوههم بحثًا عن الأضواء في الألقاب المجانية في الصحف الإلكترونية والمناصب المضحكة في منصات «المسابقات» الشعرية و»المجاملات» الشللية التي تعقد في الخيام بالصحراء أو داخل قصور الأفراح والكل صدق نفسه وظلت عقليات «الحمقى» المصدقين والمصفقين تنتظر قدوم «الوهم» في عباءة المنضمين إلى ذلك «التتويج المضحك»
عندما تظل المسألة متعلقة بالنبط والقبيلة والشللية والكشتات والشعبية المقيتة فالأمر هين لأنه لا يتجاوز «حدود» العقول الفارغة التي تستقبل وتقبل هذا الهراء ولكن أن يتجاوز الأمر ذلك لنرى من يصطف في المناسبات على أنه أديب عصره ومثقف زمانه وهو لا يجيد كتابة الإملاء وخطه المكتوب أشبع بخربشات الصبية فإن ذلك «أمر مرير» و»شر مستطير» يخالف الموضوعية ويسيء للمنطقية ويعاكس المنهجية في تسمية الأمور بأسمائها وتوجيه المسميات إلى أصحابها.
التجاوزات العلنية لاقتحام أسوار الثقافة من قبل «الساذجين» سوءات أدبية يجب أن تتوقف حتى تبقى «الساحة الثقافية» بيضاء تسر «المراقبين» دون المساس بخطوطها المتينة والمس بحدودها المهنية ليفرق فيها بين «المثقف الحقيقي» و»المتشبث بالوهم».. فلا مكان بين ساحات «الأدب» لمن لا يجيد عزف أوتار المهارة ولا موقع في مساحات الفكر لمن لا يمتلك أسرار الموهبة.
أسفت على ذلك «الإنتاج الركيك» الذي تسوقه إلينا دور نشر «مأجورة» ليقبع بيننا كمؤلفات هامشية جاءت لتكون «جناية ثقافية» في ذاكرة الواقع.
وتأسفت لبوادر من وقائع الخذلان الثقافي الذي وضع أسماء مغمورة في حيز «العرفان» وترك قامات وإعلام في هوامش «النسيان» الأمر الذي حول الموضوع لدينا إلى «دجل أدبي» تصيغه «جماعات» «النكران» وتصنعه مجاميع «التنكر» ليظهر الصراع الحقيقي بين المفترض والمنتج.
رغم مرور عقود على موت بعض عباقرة الشعر والرواية والقصة والنقد لا تزال عقولنا تستذكر ذلك الإنتاج المهيب الذي ظل حاضرًا في «متون» الاستذكار و»فنون» التذكر» وناضرا في قلب «التفكير» وقوالب التفكر بسطوة «المعاني» وحظوة «الحكم» وفي عهدنا الحاضر تتجه «البوصلة» برتابة إلى «تجاهل» التأدب في احترام «مسمى الأديب» وتغافل «الأدوات» في الاعتراف بصفة «المثقف» لتظهر لدينا «الشعوذة الثقافية» التي أدخلت إلينا «دخلاء» على الميدان و»غرباء» على المشهد.
لدينا ثقافة عميقة الجذور وأسس متعمقة الأدوار لم تستغل صنعتها «قامات فكرية» في «مقامات معرفية» كانت مؤشرات ومعطيات لنيل «الصفات» بحيادية الرأي وتحييد المجاملة فكانت «الثقافة» صرحًا يصل إليه من أكمل «شروط» نيل درجات الارتباط بالكيان الثقافي وأكمل سنوات القراءة والبحث والتحليل والنقاش والنقد والتأليف وامتلك مهارات الأدب وتملك مواهب الإبداع.
المنصات الأدبية والجهات الثقافية معنية بمكافحة «الغش» الثقافي الذي بات «ظاهرة مخجلة» تنثر نقاطها السوداء على «بياض» السواء الأدبي لذا يجب تنقية «الحاضر» من عنجهية «الجهلاء» وتصفية المستقبل من «همجية» السفهاء!! لتبقى «الثقافة» صافية من «شوائب» الجاهلين ومتعافية من «أمراض» الفارغين..