د.عبدالرحيم محمود جاموس
ثلاثة مصطلحات باتت تحكم واقع ومستقبل قطاع غزة هي (تهدئة، مقاومة، وحصار) ومعه أيضًا مستقبل الشعب الفلسطيني وقضيته، وكأن هذه المصطلحات قد فصلت تفصيلاً دقيقًا، على مقاس قطاع غزة، لتختزل في نهاية المطاف الكل الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، حيث باتت المصطلحات الأكثر تداولاً فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي مغطية على مختلف جوانب القضية الفلسطينية، وجوهرها كقضية تحرر وطني تهم الشعب الفلسطيني بملايينه الثلاث عشرة في الداخل والخارج، التي تمثلت محدداتها في البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي قرارات الشرعية الدولية والقرارات والمواقف العربية والفلسطينية فيما يلي:
أولاً: حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم التي شردوا منها عام 1948م.
ثانيًا: حق المساواة للفلسطينيين الذين صمدوا في ديارهم في الأراضي المحتلة عام 1948م كمواطنين أصليين لا يجوز المساس بحقوقهم وبوضعهم القانوني.
ثالثًا: حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967م وتشمل قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية واعتبارها وحدة جغرافية واحدة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها وعاصمتها القدس الشرقية.
لكنه بات من المؤكد أن هذه العناصر الثلاثة الأساسية التي تمثل عناصر البرنامج المرحلي للحركة الوطنية الفلسطينية، التي حظيت بالدعم العربي والدولي، ما زالت تواجه بالرفض المطلق من جانب الكيان الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة وبشكل واضح في ظل الإدارة الجمهورية الحالية برئاسة دونالد ترامب، وأيضًا من حركة حماس وحركة الجهاد اللتين رفضتا كافة أشكال التسويات مع الكيان الصهيوني، ورفضتا البرنامج المرحلي الكفاحي للشعب الفلسطيني، ورفضتا أن تكونا ضمن مكونات منظمة التحرير إلى غاية الآن، .. ومارستا مختلف أشكال الرفض والمقاومة لهذه الرؤية الوطنية والعربية والدولية، ورفضتا مبدأ التسوية مع الكيان الصهيوني مؤكدة على أن هذا الصراع معه (صراع وجود لا حدود)..
فقد وجد الكيان الصهيوني فيهما ضالته، لمواجهة الضغط العربي والدولي وقرارات الشرعية الدولية القاضية بإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية والحفاظ على وحدتها الجغرافية والتفاوض على أساسها لأجل إنهاء هذا الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
لقد استفاد الكيان الصهيوني من وجود حركة حماس ومقاومتها واشتراكها في انتخابات المجلس التشريعي وبعده انقلابها على السلطة والسيطرة على قطاع غزة استفادة كبرى، سهلت عليه تنفيذ إستراتيجيته في ضرب وحدة الأراضي الفلسطينية، وفرض حصار ظالم على قطاع غزة، لتأكيد الانفصال بين غزة والضفة الغربية، ليصبح مصير غزة محكومًا (للعبة التهدئة والمقاومة والحصار) ويضحي سرًا من الأسرار يكمن بين استمرار النار أو الانفصال، يحدده الكيان الصهيوني وحركتا حماس والجهاد منفردتين، ...
وما الحديث عن المصالحة الفلسطينية في مثل هذه الحالة إلا ذر للرماد في العيون، وتغطية على مخطط جهنمي استعماري استيطاني يلتهم أحلام الشعب الفلسطيني في العودة، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، ...
هنا باتت علاقة حماس بالكيان الصهيوني ومستقبل قطاع غزة المحكوم لتلك المصطلحات، يتصدر وجه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي برمته، وما عداه بات وكأنه عناصر ثانوية أو غير ذي صلة، تلك المؤامرة الكبرى التي استهدفت حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، ولعبت فيها (حركة حماس دور الحاوي) لتختزل القضية الفلسطينية بتهدئة طويلة أو مؤقتة بينها وبين الكيان الصهيوني، وبالوضع الإنساني الذي آل إليه وضع شعبنا في قطاع غزة جراء هذه اللعبة الخبيثة (تهدئة مقاومة حصار) فلا مانع من القتل بالجملة أو بالمفرق بين فترة وأخرى وبات شبه يومي طالما هذا يضمن لحركة حماس ومعها الجهاد صفة المقاومة واستمرار تحكمها في قطاع غزة، وإسقاط المشروع الوطني الفلسطيني في حده الأدنى وقصره على (حماس غزة)، .. ويستمر الحديث عن المصالحة دون نيلها... واليوم يستمر الحديث عن انتخابات تشريعية ورئاسية دون أن تخطو حركة حماس أية خطوة فعلية باتجاهها أو باتجاه إتمام المصالحة بل وإنجاح الانتخابات التي اقترحها الرئيس أبو مازن، بل كل يوم تخطو خطوتين باتجاه تكريس الانقلاب والانقسام، وتجاوز السلطة الشرعية والممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بما يكفل للكيان الصهيوني مواصلة انقضاضه على الحقوق الفلسطينية ليس فقط في القدس والضفة الغربية وإنما أيضًا داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، حيث شجعه هذا الوضع لإقرار قانون القومية العنصري الذي يسقط حق المواطنين الفلسطينيين في المساواة في المواطنة كما يسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ..!
هكذا تتآكل الحقوق واحدًا تلو الآخر، وتجزأ عناصر القضية والصراع إلى جزيئات صغيرة يصعب تجميعها وتختزل في تهدئة مع حركة حماس ومعها أيضًا حركة الجهاد اليوم التي تسعى هي الأخرى أن تكون شريكًا في تهدئة مؤقتة أو دائمة مقابل تخفيف الحصار أو رفعه عن القطاع، وحل المشكلات الإنسانية الناجمة عن لعبة (التهدئة والمقاومة والحصار).