«منيخ».. بضم الميم وكسر النون وتسكين الياء؛ هي قلعة تاريخية موغلة في القدم، بناها أهل بلد منيخ الذي تنسب له هذه القلعة ولا يعرف تاريخ بنائها.. ومعلوم أن كتب التاريخ القديمة كصفة جزيرة العرب للهمداني. وبلاد العرب للأصفهاني؛ قد أشارت إلى بلد منيخ وقراه كـ الخيس وأشي وحرمة في القرن الثالث الهجري.. كما أشار إلى بلد منيخ مؤلف كتاب الإمتاع.. وذكر ما تعرضت له من خراب في القرن السابع الهجري على يد الفضل حاكم الأحساء. وهذا موضح في مقالي بعنوان -المجمعة عبر التاريخ- في هذه الصحيفة الغراء بتاريخ 7-1-2019م.
تنسب هذه القلعة كما ذكرت إلى منيخ وهو الاسم القديم لهذا البلد قبل أن يتحول اسمه مع تعاقب القرون إلى المجمعة. وآخر وثيقة عثر عليها تشير إلى تاريخ امتداد هذه التسمية القديمة على هذا البلد هي وثيقة الشيخ ابن ذهلان عام 1040هـ عن بيع عقار في بلدة أوشي، حيث ذكر فيها (من قرى منيخ) -لم تقل الوثيقة من قرى المجمعة- لأن هذه التسمية لم تعرف بعد، بل إن كتب التاريخ المتأخرة كتاريخ ابن غنام وابن بشر عندما تشير إلى تعيين أمير أو قاض تذكر بأنه عين على منيخ الأمير أو القاضي الفلاني من قبل الإمام من آل سعود.. لا تقول على المجمعة.
تقع هذه القلعة إلى الجنوب الغربي من البلد القديم على هضبة بيضاء منفردة ومرتفعة. ممتدة من الشمال إلى الجنوب والقلاع عادة تبنى في موقع يصعب الوصول إليه ومعلوم أن بلدان نجد في الماضي لاضطراب الأمن كل بلد يكون محاطاً بسور ومرقب في أقرب مرتفع.. وذلك لكثرة الحروب فيما بين بلدانه وبين قبائله. ولقد أساء من وضع تاريخاً لبناء قلعة منيخ أو نسبها لأحد، فجميع كتب التاريخ لم تدون تاريخاً لذلك أو تذكر من بناها.
تقع هذه القلعة على قمة هضبة منيخ التي تتكون من مستويين في الارتفاع. وتتكون من أربعة أبراج للمراقبة يربطها سور يحيط بالهضبة ثم يرتبط بسور البلد من الجهتين الغربية والشرقية. وهي مبنية من الحجارة واللبن والطين. البرج الأول من الجهة الشمالية وهو الأضخم مبني بشكل دائري مخروطي الشكل وارتفاعه يزيد عن الأحد عشر متراً وبداخله برج أقدم منه وبينهما درج يصعد إلى الأعلى بشكل حلزوني حتى يصل إلى السطح وبداخل هذا البرج ثقوب للمراقبة وتصويب البنادق. وفي أعلاه مطلاة لها ثقوب إلى الأسفل وفي الجوانب للمراقبة، حيث يشرف هذا المرقب على جميع الجهات.. والبرج الثاني في جهة الهضبة الجنوبية وهو مربع الشكل أقل ارتفاعاً من الأول له شرفات وثقوب للمراقبة بكشف للرائي الجهات الجنوبية عن البلد لمسافات بعيدة.
والبرجان الغربيان وهما الأصغر مربعا الشكل وبهما ثقوب وشرفات. وتستخدم هذه الأبراج كذلك لمراقبة قدوم ومرور القوافل التجارية في الماضي. واستكشاف السيول القادمة من بعيد والتبشير بها من القلعة بأصوات عالية.. أما المستوى الذي دون الأول من الهضبة في الارتفاع فيستخدم للخدمات المساندة في الماضي كما تستقر فيه بعض السرايا.. وهو الآن محاط بسياج وبوابة وبه استراحات ومقر ضيافة بخدماتها للزائرين ومسجد.. وتستوعب هذه القلعة أكثر من ألف مقاتل. وهم مع بقية السرايا لحماية قاعدة المنطقة بلد منيخ -المجمعة الآن- التي تتعرض على مر العصور للكثير من الهجمات والحصار. فمن يتمكن من السيطرة على هذا الحصن المنيع وهذا البلد يتمكن في النهاية من السيطرة على منطقة سدير.
لقد تعرضت قلعة منيخ على مر تاريخها للكثير من الأحداث ومنها:
- مهاجمتها من قبل الفضل حاكم الأحساء عام 615هـ لتعرض أهل منيخ للحاج الأحسائي.
- في عامي 1189هـ و 1193هـ تعرضت القلعة والبلد إلى حصار شديد من قبل سعدون بن عريعر والي الأحساء من قبل الدولة التركية لانضواء المجمعة تحت لواء الدولة السعودية الأولى ولكن بدون طائل.
- في عام 1234هـ هدمت أسوار الكثير من بلدان نجد بأمر محمد علي باشا حاكم مصر بعد ما حصل من تدمير للدرعية. ومنها أجزاء من سور المجمعة والقلعة.
- في عام 1237 وجه والي الأتراك على القصيم حسين بك أبي طاهر. قائده موسى كاشف على رأس حملة للاستيلاء على المجمعة قاعدة منطقة سدير. فحاصرتها واستطاعت دخول البلد والاستيلاء على القلعة..
- في عام 1239هـ دخل الإمام تركي بن عبدالله. مؤسس الدولة السعودية الثانية المجمعة ورتب قوة ترابط في قلعة منيخ.
- في عام 1299هـ في فترة الاضطرابات أواخر الدولة السعودية الثانية. حاصر الإمام عبدالله الفيصل قوة معادية استولت على هذه القلعة.
- في عام 1326هـ دخلت المجمعة تحت لواء الملك عبدالعزيز. وفي عام 1327هـ زار جلالته المجمعة ورتبت سرية ترابط في قلعة منيخ.
هذا ولما كانت هذه القلعة مبنية من اللبن والطين.. فهي تتعرض للأضرار من الأعاصير والأمطار على مدى الأزمنة فيتم إصلاح المتضرر من قبل الأهالي. وفي عام 1418هـ تعرضت المجمعة لسيول جارفة تضررت منها هذه القلعة. وتهدم أعلى البرج الكبير الشمالي وجزء من أسوارها.. فتبنّت وكالة الآثار بوزارة التربية والتعليم بتوجيه من معالي الوزير/ محمد بن أحمد الرشيد. إصلاح القلعة وترميمها.. وبعد قيام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير/ سلطان بن سلمان، لقيت هذه القلعة عناية كبيرة.. حيث تم إصلاحها وتطوير ما حولها وجعلها مقصداً للسياح والزائرين.
وأخيراً فإن قلعة منيخ في أمس الحاجة إلى إيجاد مصعد كهربائي لإيصال كبار السن وغير القادرين على الصعود إليها عبر الدرج الموجود.
وهذه قصيدة قلتها على لسان مرقب قلعة منيخ الضخم. كشيخ طاعن في السن يروي لأحفاده وأحفاد أحفاده ما جرى عليه من تصاريف الزمان:
جد لكم حي على نايف عال
واقف على مر الزمان ولياليه
المرقب اسمي وانا ارقب كل من جال
حذرا الدهر ترمي عيالي عواديه
هذا مكاني عقب جلوة بني هلال
امنيخ يغليني وانا والله اغليه
تمر بي اليام هون وزرفال
عصر مضى عجل والآخر يباريه
تجري بي الأزمان حال بعد حال
وقت يسر وقت ما حب طاريه
وان كان تنشدني عن هذيك الاجيال
العلم في صدري وانا اليوم مبديه
المجمعة ديرة منا عير ورجال
بنوا لهم قصر رفيعة مبانيه
عند اللزوم قروم ياويل من عال
اوقت الرخى لك داني البيت وقاصيه
يوم لهم مابين رجلي وخيال
واليوم الآخر عيد ماكثر حسانيه
هذاك يومي للمغاوير منزال
يوم المشبب نفسه من دون عانيه
واليوم زينه وللسياح مدهال
اقفى زماني ولا الحقكم مشاريه
مير احمدوا رب غمركم بالافضال
الواحد المعبود ربي وانا ارجيه
عقب الحفا والخوف والقيل والقال
دولة عدل بالحق تاخذ وتعطيه
واشكر وزير قام بي عقب الاهمال
مانيب انا ناس جميل كسانيه
الشكر مني خالص الطيب الفال
من قام بالواجب علينا نجازيه
وشايبكم اللي مل وازرت به الحال
البر به واجب على الكل يراعيه
رمز لكم باق من زينات الأطلال
وعز لكم دب الزمان ولياليه
والله ولي التوفيق،،،
** **
حمود بن عبدالعزيز المزيني - منيخ - المجمعة