عبده الأسمري
وقف في «محاريب» الإمامة وصعد «منصات» الخطابة فكان كبير الأئمة وخبير الخطباء, اتخذ سبيله في «العلم» سببًا فكان «المعلم الشرعي» و»العلم البشري» الذي أسقى بعلمه «واحات» المعرفة وأشبع بمعرفته «ساحات» الدعوة.
إنه رئيس شؤون الحرمين الشريفين وعضو هيئة كبار العلماء إمام وخطيب الحرم المكي سابقًا العالم الفضيل محمد عبدالله السبيل - رحمه الله - أحد أشهر العلماء وأمهر القراء في العالم الإسلامي.
بوجه دائري حنطي مملوء بالزهد مسجوع بعلامات الجد والود ولحية بيضاء زادته بهاءً وزهاءً مع شارب محفوف وملامح «قصيمية» تتوارد منها علامات التدين وقامة بارعة تتكامل على أناقة تعتمر الشماغ المسدول والبشوت الملونة مع كاريزما موشحة بالنبل والفضل وتقاسيم تعلوها اعتبارات «التواضع» وتحفها سمات «المكارم» وصوت جهوري متقن يصدح بآيات الله آناء الليل وأطراف النهار في مهام «الإمام» وصدى منفرد يرتب عبارات «النصح» وموجهات «التوجيه» في همم «الخطيب» وسيرة فريدة بطلب العلا ونيل المعالي قضى السبيل من عمره عقودًا وهو يقرأ القرآن ويجيد التجويد ويدعو إلى سبيل الله ويرصد المسائل ويكتب الفتوى ويؤسس المناهج في مشارب «العلوم الشرعية» وفي مآرب «الأهداف الدعوية»، كوجه للاقتداء وواجهة للاحتذاء في مجالات «الدين» وفي مسارات «الشرع».
في البكيرية الباذخة بإنتاج «البارعين» و»المبدعين» وًلد وتفتحت عيناه على اتجاهات «الالتزام» في مرابع مدينته فتعتقت أنفاسه بنسائم «الروحانية» وانعتقت نفسه من دواعي الذاتية فانخطف إلى الألحان السماوية في جامع قريته وانجذب إلى الأشجان الصوتية في مجاميع مدرسته، فتعلق باكراً بالذكر الحكيم وتشربت روحه «معاني التربية» في نصائح والده، وتشبعت جوارحه بنتائج التوصية في دعوات والدته..
تربى السبيل في كنف «الطمأنينة» ونما في أحضان «السكينة «مشفوعًا بذكر حكيم اعتمر كيانه وغمر وجدانه، فكان «القرآن» ربيع قلبه ونور «صدره» صغيراً، فنشأ رفيقًا لحلقات «التحفيظ» مترافقًا مع «مجمعات التعلم» مولياً قبلة أحلامه إلى «أعجاز القرآن» موجهًا بوصلة آماله إلى «إنجاز الفرقان»، فكبر وفي يمناه «قبضة الانتصار» وفي يسراه «تلويحة الاعتبار» متخذًا من «والده» مثلاً أعلى ومن أسرته «منبعاً» للتفوق ومن «عائلته» نبعاً للأثر.
سار السبيل في درب «فريد» ومسلك «سديد» مراقباً لقوافل طلبة العلم في طوابير «الشرف» فوجد ضالته في مراتب «التلاوة» وحدد وجهته نحو رتب «الحفظ» في صفحات «المصحف الشريف، فسخر طفولته وشبابه ورشده للتفرغ في رحاب «الإذعان» و»محراب» الإتقان»، فكانت «اللوحة الذهنية الأصيلة» التي تشكلت في عقله وتعمقت في فكره فظل «ثاوياً» في محافل «القرآن» فحفظه مبكرًا على يد والده والشيخ عبدالرحمن الكريديس - رحمهما الله - ثم أتقن التجويد على يد الشيخ سعدي ياسين وتعلم العلم الشرعي على يد أخيه وعدد من المشايخ. ثم انطلق بعدها في دروب الحياة العملية حيث عين مشرفًا على المعهد العلمي ببريدة من عام 1373 حتى عام 1385هـ. ثم تعينه إمامًا وخطيبًا ومدرسًا بالمسجد الحرام من عام 1385 حتى عام 1429، وعين أيضًا رئيسًا للمدرسين والمراقبين في المسجد الحرام. وفي عام 1393 عُين نائبًا لرئيس الإشراف الديني، وتعيَّن في الفترة 1411-1421 رئيسًا لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وأتم تعيينه عضوًا في هيئة كبار العلماء عام 1413، وتعين أيضًا عضوًا في المجمع الفقهي الإسلامي.
نجا الشيخ السبيل من محاولة القتل في حادثة اقتحام المسجد الحرام والتي قام بها جهيمان عام 1400 حيث كان يؤم المصلين في صلاة الفجر.
قام بأكثر من 100 رحلة دعوية خارج المملكة، وألَّف حوالي 27 كتابًا في مختلف المجالات الدينية، ودرس على يديه عدد من العلماء، واشتهر بمشاركته في البرنامج الإذاعي «نور على الدرب».
انتقل إلى رحمة الله في الثالث من صفر عام 1434 هـ بعد أن نثر «العبير» في أبهى مقامات «المجد» أمام صروح «كتاب الله العظيم»، وجنى «التقدير» في أزهى مقومات «الجد» وسط طموح «الحديث والتجويد والتفسير والفقه»، وترك خلفه إرثًا من «صلاح النية» وميراثاً من» نجاح الذرية».
الشيخ محمد السبيل -رحمه الله- متن بشري من متون «النفع «وشأن إنساني من شؤون «الفوائد» سيظل في خانة «الذكر المستدام» ومتانة «الفكر المستديم» في سجلات «العلماء والفقهاء والنبلاء».