عبد الله باخشوين
«يا بو (.)، ما كنتم تفترقون أبد.. وش جاب العداوة بينكم...؟!»..
- «تضاربت مصالحنا؟!» قالها ببساطة وأريحية.. في مجلس يملؤه الرجال في ضيافته.. خيّم الصمت، ولم يُلقِ أحد..
تحرك أحد الأذكياء، و(غيّر الموضوع).
غير أن كلمة (مصالح) ظلت تطاردني: (هل المصالح هي قاعدة الصداقة)..؟! إذا انتهت أو تضاربت تنتهي معها (عشرة العمر)..؟!
بدا أن هذه قاعدة أساسية بين (رفاق النضال) والكفاح المشترك.. فالوصول للسلطة هو الطريق الحتمي للانقلاب على بعضهم.
مرة دعاني صديق، كان مرشحًا لـ(منصب) صحفي، يعول عليه بعد سعي طويل للوصول إليه. كان يريد (مشورتي) لاختيار (مَن سيقربه منه في العمل).
قلتُ بحزم: (لا تنظر لغير الذي يحبك، والذي يخاف منك.. واجعل منهم أكفاء قادرين على إدارة العمل بالطريقة التي تريدها).
وسط دهشته من كلامي قال: (وأنت..؟!)..
قلت بصراحة: (أنا لا أفيدك.. لأنني أحب نفسي..؟!).
قال مستوضحًا: (كيف...؟!). قلت: (أنا عندي أوهامي وأحلامي الخاصة في الكتابة.. وسوف تدفعني لأن أتبعها.. ولن يردعني أي شيء؛ لذلك لن أفيدك.. ولن أتبعك.. أما في أي عمل بعيد عن الكتابة فخُذ عيوني..؟!).
تذكرتُ هذا الحوار.. وتذكرتُ (النصيحة) التي أقل ما توصف به أنها (دكتاتورية).. وتذكرت رأى زوجتي عندما أعدت عليها الكلام الذي قلته لصاحبنا.. قالت بحنق: (ما كنت أدري أنك هكذا..؟!).
وعدت لكلام قرأته (زمان) عن رباط مصالح الأصدقاء.. يقول ما معناه: (ربما يكبر الأصدقاء معًا، لكنهم لن يتمكنوا من رؤية بعضهم كما هم.. لأن الواحد منهم لن يرى سوى صورة صديقه التي كانت، التي أحبها أول مرة.. بينما تحولات الآخر واختلافه وافتراقه عنه تمرُّ من أمامه وفيه دون أن يلحظها.. وقد تختلف المصالح، أو تتحول وتتطور.. وسوف يبقى (الحب) هو الذي يعمر الصداقة، ويضمن استمرارها).
أما في ارتباط المصالح بالتوجهات والمال والنفوذ فلا شيء يضمن عدم تضاربها سوى وجود (خطوط عريضة) شديدة المرونة.. تتسع دائرتها مع كل بادرة انكماش.. وما نطلق عليه (خطوط عريضة) ليس سوى قاعدة (المحبة) المتبادلة القائمة على التسامح والخلو من أنانية الغيرة.. وكلما كانت القاعدة العليا للمصالح واضحة يجب أن يزداد وضوحها في الأزمات.. واعدة جليها وصقلها حتى لا تصبح محل شك، أو تدخل دائرة الضبابية.
وفي عالم السياسة والعلاقات بين الدول يصبح الحفاظ على حيوية (المصالح) أكثر تعقيدًا؛ لأنه يراهن على قوة فاعلية السلام، ونزع أسباب الاختلاف التي تؤدي للحروب والتناحر.. لأن مصالح (أي دولتين) لن تكون معزولة عن مصالح (كل منهما) مع دول أخرى، السلم معها يؤدي لخلق رابط مصالح جماعية.
وبعد: أعترف بأنني ذهبتُ بعيدًا، ولم أكتب أي شيء من (الكلام) الذي أردتُ عند بداية كتابة المقال، وأخذت أهذي وأنظر بعد أن أصبحت إمكانية العودة للفكرة الأساسية شبه مستحيلة.