د.عبدالله بن موسى الطاير
تتداول شبكات التواصل الاجتماعي بعض المواد التي تعدد إخفاقات دول الخليج في استثماراتها السياسية. ويذكرون على سبيل المثال ما دفعته تلك الدول للإطاحة بصدام، وكانت النتيجة أن العراق بأكمله طاح في أحضان إيران، وسحبوا هذا المثال على لبنان واليمن وتركيا وقطر التي أصبحت جميعها حليفة أو قريبة جدا من نظام ولاية الفقيه بسبب إخفاق السياسات الخليجية.
ليس من الحكمة نفي الاتهام بمجمله، ولا قبوله بعمومه، إذ هناك تفصيل لابد منه. دول الخليج وقفت مع العراق ضد النظام الإيراني إبان الحرب العراقية الإيرانية، وكانت إيران تعرف ماذا تريد وكيف تستفيد من الحرب لتقوية الثورة، وصدام مثله مثل بقية العرب لا يعرف إلا أنه يريد أن يكسب تلك المعركة دون النظر في منقلبات الأمور بعد أن تضع الحرب أوزارها. استغلت إيران تلك الحرب في تقوية الجبهة الداخلية من جانب، ومن الجانب الآخر وضعت خططا لما بعد الحرب، ومنها التصميم على عدم ولادة صدام آخر في أي بلد مجاور لها.
أمريكا في مراحل من تلك الحرب كانت تعاقب إيران على إهانة الولايات المتحدة الأمريكية باحتجازها عشرات الدبلوماسيين الأمريكيين لأزيد من عام في السفارة الأمريكية في طهران، بيد أن المتخيل لما بعد الحرب كان شبه واضح عند الأمريكيين؛ أمريكا كانت تدرك أن العراق سيخرج من الحرب وهو قوة لا يستهان بها في المنطقة، وقد يشكل خطرا على مصالحها وعلى إسرائيل تحديدا، وهي لا تترك شيئا تحت رحمة الاحتمالات. وبذلك اتخذت قرارها بلجم طموح صدام وكسر العراق، كانت تخطط لذلك في الوقت الذي تسمح لدول الخليج بمده بالأسلحة الأمريكية التي تشتريها من مصانعها. أبعد من هذا وذاك كان المخطط الأمريكي مصمما على إحداث توازن سني شيعي في شمال الخليج، والقرار متخذ منذ وقت مبكر لكسر الاحتكار العربي السني حكم العراق.
دول الخليج دعمت صدام حتى تغول فأكل واحدة منها ذات صباح، وكان السؤال الكبير هو لماذا فعلها صدام؟ لقد فعلها لأنه كعربي دخل حربا بمحض إرادته وتحت وطأة العاطفة، ولم يضع في ذهنه كيف سيكون العراق بعد هذه الحرب سواء انتصر فيها أو خسر. وبسبب الارتجال في اتخاذ القرار وجد نفسه يخرج من حرب دون أن يضع سيناريوهات وبدائل لما بعد الحرب، فلم يكن أمامه سوى مغامرة أخرى، وهي احتلال الكويت.
من جانبها كانت دول الخليج تدعم صدام في حربه ضد إيران دون أن تكون لديها خطط لاحتواء هذا (البطل) وجيشه (المغوار) الخارج من الحرب. ولذلك وجدت نفسها أمام كارثة دفعت ثمنها غاليا. ومجمل هذه المغامرات والدعم غير المدروس، وغياب الخطط طويلة المدى وجدت دول الخليج نفسها تخرج من أزمة إلى أخرى.
بدون أدنى شك أو أن نتجاهل الحقيقة فإن إيران والولايات المتحدة الأمريكية لم تخرج منتصرة من حربي الخليج الأولى والثانية وحرب احتلال العراق عام 2003م، ولكنها كسبت النتائج بتحقيق مخططات وضعتها إبان تلك الأزمات أو حتى قبلها. أمريكا أزاحت العرب السنة من حكم العراق ويبدو أن ذلك للأبد، وإيران استولت على العراق وسوريا ولبنان واليمن. وفي الوقت الذي نجحت دول الخليج في إتمام مهامها بنجاح في حربي الخليج آنفتي الذكر، فإنها فشلت في توقع ما بعد الحربين بسبب افتقارها لدراسات وخطط حقيقية لا تكتفي بإدارة جيدة للأزمة وإنما تضع بدائل وحلول لما بعد تلك الأزمات من تعقيدات.
دول الخليج تحديدا تعتز بالعلائق الوثيقة والاستراتيجية مع أمريكا، وتصطف إلى جوارها في كل أزمة، وتدعوها لأن تكون معها في كل حدث يعرض أمن المنطقة للخطر، وتدفع بسخاء مقابل الدعم الأمريكي. من جانبها تتدخل أمريكا إلى جانب دول الخليج بأجندتها الخاصة، وتعرف تماما ماذا تريد من وجودها وتضمن تحقيقه بنسب معينة، بينما تكتفي دول الخليج بإنجاز المهمة بنجاح، وليكن بعدها ما يكون.
العرب، يعانون من النفس القصير، والرؤية قصيرة المدى، فهم غير قادرين على دراسة المستقبل والتخطيط السليم لما يدخلون فيه من نزاعات سياسية أو عسكرية، وكيف سيخرجون منها، وكيف سيتعاملون مع المكاسب أو الخسائر؟ ولذلك فإن القول بأن العرب يكسبون المعارك ويخسرون نتائجها ينطبق بشكل دقيق على دول الخليج. والمخرج الوحيد من ذلك هو بالدراسات العميقة وتطبيق مخرجاتها حتى وإن جاءت بما لا تشتهيه.