عبد الرحمن بن محمد السدحان
ثم كانت الهجرة الرابعة إلى لبنان، وكنت في نهاية (فصل) الطفولة، حين أرسلني سيدي الوالد ومعي أخي ورفيق دربي مصطفى - طيب الله ثراه -، وقاسينا هناك من آثار صدمةٍ حضارية بمدينة زحلة الفاتنة بمائها وجبالها ونهرها البردوني الجميل، و(رومانسيتها) الدينية والتاريخية والتراثية، وقد أمضينا بها عامًا دراسيًّا كاملاً؛ لنعودَ بعد ذلك إلى المملكة، وكلانا لذلك كارهٌ لفراق زحلة بعد أن استقبلنا الإقامة بها بدموع «الغربة» وقشعريرة الخوف من (المستر ليتل) المشرف الإيرلندي، وحرصه على فروض ونوافل (السمع والطاعة)!.
* * *
* ثم حلّت الهجرة الخامسة من الرياض مبتعثًا إلى أمريكا للدراسة الجامعية، وقد حللتُ بها نحو سبع سنوات سمانٍ، نلتُ في ختامها شهادتَي البكالوريوس والماجستير؛ لأعودَ بعد ذلك إلى المملكة، وألتحق بمعهد الإدارة العامة ابتداءً!
* * *
وبعد...
فقد كانت تلك هوامش سريعة، أملتها عليّ ذاكرة الحزن والفرح معًا، أمضيتها متنقِّلاً، أو قُل (مهاجرًا)، بدءًا من أبها فجازان ثم أبها، فالطائف، فمكة، فجدة.. ثم إلى لبنان، فعودة منه إلى جدة، ثم الرياض في وقت لاحق، ثم الهجرة الكبرى إلى أمريكا مبتعثًا للدراسة الجامعية، وكانت (أمريكا) وحدها محطة مفصلية في حياتي، وعدت بعدها إلى الرياض؛ لأبدأ مشوار العيش، بدءًا بمعهد الإدارة العامة، في عهد مديره العام صديق العمر معالي الأستاذ فهد الدغيثر - طيب الله ثراه -، ثم تدرجت في وظائف الدولة بعد تجربة ثرية في المعهد؛ لأعمل مستشارًا إداريًّا في الديوان الملكي، ثم عُيّنت أمينًا عامًّا لمجلس الخدمة المدنية التي شرفت بتأسيسها من نقطة الصفر، وكان عوني في ذلك ومرشدي بعد الله في هذا المشوار رئيسي فصديقي فأخي الذي لم تحمله أمي، معالي الشيخ تركي بن خالد السديري، رئيس ديوان الخدمة المدنية وقتذاك. واستمر الأمر كذلك حتى شرفت بالثقة الملكية الكريمة بتعييني نائبًا لأمين عام مجلس الوزراء آنذاك؛ لأعمل لمدة عشر سنوات مع طيب الذكر وكريم الإحساس معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله السالم، الأمين العام للمجلس وقتئذ، وتوليت منصبه بعد إحالته إلى التقاعد، وذلك لمدة اثني عشر عامًا، ثم صدر الأمر الكريم بإعفائي من مهام ذلك المنصب وتعييني مستشارًا بالديوان الملكي. والحمد لله رب العالمين من قبل ومن بعد.