معرض الكتاب ليس سوقًا لبيع الكتب فحسب حتى يُكتفى بمعرفة موعد افتتاحه، وموعد إغلاقه؛ فيذهب إليه الزبون بين هذين التوقيتين؛ ليحصل على ما يريد من بضاعة. إنه أكثر من ذلك بكثير؛ ففيه ما هو أهم من الكتب، وهي المحاضرات والندوات المصاحبة، واللقاءات المفتوحة في المقهى الثقافي. وفيه الورش التدريبية التي تهم الراغبين في تطوير مهاراتهم من كل الفئات. كل هذه تهمُّ رواد أي معرض، ويحتاجون لمعرفة أوقاتها وموضوعاتها والمتحدثين فيها حتى يتسنى لهم ترتيب جداولهم الخاصة بهم لزيارة المعرض.
وفي المعرض أصدقاء ومبدعون، لديهم إصدارات جديدة، يوقّعونها أيام المعرض، ويهم الكثير من الرواد أن يعرفوا مواعيدها قبل بداية المعرض بوقت كافٍ لإدراجها ضمن جداول زياراتهم..
وحين استبشرنا بانطلاق معرض جدة الدولي للكتاب قبل خمس سنوات وضعنا في اعتبارنا أنه مكمِّل لأخيه الأكبر (معرض الرياض)، وأن من فاته ذلك بإمكانه إدراك هذا.
لكن يبدو أن المسؤولين عن معرض جدة الدولي للكتاب نسوا أنه معرض دولي؛ بله أن يكون معرضًا للمملكة كلها؛ فتأخير الإعلان عن جداول الفعاليات ومواعيد توقيعات الكتب إلى ما قبل افتتاح المعرض بيوم أو يومين لا يخدم من يخطط لزيارته من خارج جدة، كما أن معرفة الدور المشاركة وقوائم الكتب المعروضة - وهو ما لم يعلن عنه حتى الآن، لا في صفحة المعرض التويترية، ولا في التطبيق الخاص بالمعرض - أمرٌ لا يقل أهمية عما سبق ذكره.
فضلاً عن أن جدة وجهة مطلوبة لأبناء المملكة جميعًا، والطلب على رحلاتها الجوية وفنادقها ووحداتها السكنية لا يخفت طوال العام؛ فهي وجهة سياحية مميزة، وهي بوابة الحرم المكي للزوار والمعتمرين، فما بالك إذا أضيف إلى ذلك معرض أو مهرجان؟! وإذا كنا منذ عقود مضت نشتكي من قلة المقاعد على طائرات «السعودية» (الناقل الوحيد)، وضرورة البحث عن واسطة لدى موظفي الخطوط السعودية لإيجاد مقعد، فإن الشركات الاقتصادية الرديفة في الوقت الراهن لم تقصر في تأمين المقاعد في أي وقت، لكن بطريقة انتهازية مكشوفة؛ فالأسعار تبدأ في الارتفاع بمجرد نفاد مقاعد الخطوط الجوية السعودية.
لن أتحدث عن محتويات البرنامج الثقافي والمتحدثين فيه؛ لأن رغبات المثقفين متباينة حسب اهتماماتهم وتوجهاتهم؛ وما لا يجذبني قد يجذب غيري، وما لا يهمني قد يكون بؤرة اهتمام غيري.. لكن الملاحظ أن معظم أسماء المحاضرين أسماء جديدة وشابة، وهذا أحد المطالب التي يلح عليها معظم المثقفين، ويطالبون بها في كل محفل.
ظاهرة أخرى لحظتها هذا العام في المعرض، هي أن بعض المؤلفين يعلنون وجود مؤلفاتهم في أجنحة المعرض، ويعلنون وجودهم إلى جانبها للتوقيع لمن أراد، ولأكثر من يوم (بعضهم يعلن أنه موجود طيلة أيام المعرض). وهذا - في رأيي - فكرة جميلة للتعريف بأنفسهم ومؤلفاتهم، والالتقاء بقرائهم.
وظاهرة التوقيع في الأجنحة مشاهدة في المعارض الدولية، لكن - حسب معلوماتي - إدارات معارضنا لا تجيزها؛ فهي تحصر التوقيع على المنصات المخصصة لذلك بما لا يتجاوز نصف ساعة للمؤلف الواحد في يوم تحدده إدارة المعرض.
أرجو أن تدوم ظاهرة التوقيع في الأجنحة، وتحظى بتأييد إدارة المعرض، وبخاصة في معرض كبير كمعرض الرياض، لا يجد المؤلف فرصة للتوقيع على إحدى منصاته إلا إن كان ذا حظ عظيم!