محمد جبر الحربي
كَبِرْتُ وَمَا زِلْتُ طِفْلَا
يُخَلِّدُ بِالشِّعْرِ.. أَهْلَا
يُؤَسِّسُ ظِلَّاً لِشَمْسٍ
وَيَمْسَحُ بِالشَّمْسِ ظِلَّا
عَلَى الرَّمْلِ يَرْسُمُ خَطَّاً
وَيَمْحُوهُ إِنْ هُوَ مَلَّا
خَيَالُ الْقَوافِي سَحَابٌ
وَمِنْ خَلْفِهِ الرُّوحُ هَلَّا
كَبِرْتُ.. وَتَبْقَى الْمَبَانِيْ
يُعَاوِدُهَا الْكَوْنُ نَهْلَا
لِأَنَّ الْحَنِينَ الْتِفَاتٌ
وَطَيْفٌ لِمَا كَانَ طِفْلَا
وَأَنَّ الرُّجُوعَ ابْتِهَاجٌ
أَقَامَتْ لَهُ الرُّوحُ حَفْلَا
وَأَنَّ الْفَرَائِدَ شَتَّى
وَلَكِنَّ شِعْرِيَ.. أَجْلَى
فَفِيهِ الْجَرِيئَةُ تَسْمُو
وَفِيهِ الْحَيِيَّةُ.. خَجْلَى
وَفِيهِ عَرُوبٌ.. وَتِرْبٌ
وَفِيهِ مِنَ الْعِينِ نُجْلَا
وَفيهِ الْخَرِيدَةُ تَرْجُو
قَلَائِدَ فُلٍّ.. وَحَجْلَا
كَأَنَّ الْمَعَانِي تَبَدَّتْ
نِسَاءً مِنَ الْمُزْنِ أَحْلَى
لِأَنَّ الْقَصَائِدَ.. حَقْلٌ
وَأَرْضٌ مِنَ الْبَذْرِ حُبْلَى
مِنَ الْخَيْرِ، وَالْخَيْرُ أَبْقَى
مِنَ الشَّرِّ مَهْمَا اسْتُغِلَّا
بِهَا الطَّيْرُ يَأْتِينَ فَجْرَاً
فَيُطرِبْنَ أَهْلَاً وَحَقْلَا
جَمَالٌ يُوَازِيْ جَمَالاً
وَحُبٌّ سَمَا لَيْسَ يَبْلَى
وَحُبُّ الْبِلَادِ اكْتِمَالٌ
وَحُبِّيْ بِلَادِيَ أَوْلَى
إِذَا قُلْتُ لِلشِّعْرِ هَيَّا
يَصِيحُ بِيَ الشِّعْرُ مَهْلَا
فَيَغدُو عَمِِيقاً مَهِيبَاً
يَشُدُّ لَهُ الْوَعْيُ رَحْلَا
أَنَا الشَّاعِرُ الْحُرُّ أَبْقَى
عَزِيزَاً فَمَا كُنْتُ نَذْلَا
فقابَلْتُ كُرْهَاً.. بِحُبٍّ
وَكَانَ انْتِصَارَاً.. مُذِلَّا
وَمِنْ عِزَّتِي عِزُّ أَهْلِيْ
وَلَا يَقْبَلُ الْحُرُّ.. ذُلّا
وَطَبْعِي كَطَبْعِ بِلَادِي
فَرَفْرَفَ مَجْدٌ مُعَلَّا
وَإنْ شِئْتَنِيْ أَنْ أُسَمِّيْ
فَإنِّي السُّعُودِيُّ أَصْلَا
وَفِيهَا اخْتِصَارُ الْمَعَانِيْ
وَزَادَتْ عَنِ الْمَدْحِ فَضْلَا
كَفَتْنِي ابْتِكَارَ الْأَسَامِي
إِذَا قُلْتُهَا.. قِيلَ أَهْلا..!
أُسَافِرُ عَذْبَاً بَهِِيَّاً
وَأَرْجِعُ بَدْرَاً مُطِلَّا
أُحِبُّ الْعَوَاصِمَ حَتَّى
حَسِبْتُ الْعَوَاصِمَ فُلَّا
لِأَنَّ الْمَدَائِنَ.. أَمٌّ
سَقَتْنِي وِدَادَاً.. وَدِلَّا
بَيَاضٌ يُنَاجِيْ بَيَاضَاً
وَلِلْعَيْنِ قَدْ صِرْنَ كُحْلَا
فَرُوحُ الْأَمَاكِنِ عِطْرٌ
وَكَالنَّاسِ بِالرُّوحِ تُعْلَى
وَمَا النَّاسُ إِلَّا عَبِيرٌ
وَبِالسِّيرَةِ الْعِطْرِ تُجْلَى
أَنَا ابْنُ الْمَدِينَةِ.. أَصْلَاً
فَطَابَتْ.. وَقَدْ طِبْتُ نَسْلَا
وَلِلْوَرْدِ فِي الدَّمِ قَطْرٌ
لِهَذَا لِسَانِي.. مُحَلَّى
وَلَا أقرَبُ الْفُحْشَ قَوْلَاً
وَلَا أَقْرَبُ السُّوءَ فِعْلَا
سَلَامٌ لِمَنْ أَنْجَبَتْنِيْ
وَيَا حَرْبُ أَهْلَاً وَسَهْلَا
فَنِعْمَ الْقَبِيلَةُ أَنْتُمْ
بِحَرْبٍ أَنَا ازْدَدْتُ طَوْلَا
وَيَا جَبْرُ مِنِّي سَلَامٌ
تَغَشَّاكَ فَالْأَرْضُ ثَكْلَى
فَمَا لِلْحَدِيقَةِ مَاءٌ
وَلَا لِلشُّجَيْرَاتِ مَوْلَى
وَلَا سِرْبَ طَيْرٍ تُغَنِّي
وَلَا أَوْثَقَ الْجَارُ حَبْلَا
تَذَكَّرْتُ مَنْ كَانَ يُؤْوِيْ
وَذَكَّرْتُ مَنْ كَانْ كَلَّا
أَعُودُ لِتُفَّاحِ رُوحِي
وَلِلْكَرْمِ حِينَ تَدَلَّى
إِلَى طَائِفٍ كَانَ مَهْدَاً
وَمَنْ يَمْلِكُ الْمُزْنَ نُزْلَا
وَمِنْهُ الْكِتَابُ وَعَقْلِيْ
وَفِيهِ الْخَيَالُ.. تَجَلَّى
وَمِنْهُ حَدَائِقُ رُوحِيْ
وَأَلْوَانُ عَيْنٍ تَمَلَّى
وَمَا اللوْنُ فِي الشِّعْرِ إِلَّا
عُيُونِي تُهَذِّبُ قَوْلَا
فَكَانَ الْحِجَازُ نَصِيبِي
جِبَالَاً وَبَحْرَاً وَسَهْلَا
وَلَمَّا ارْتَحَلْتُ لِنَجْدٍ
جَعَلْتُ مِنَ النَّجْدِ خِلَّا
جَمَعْتُ الْبِلَادَ بِقَلْبِي
فَصَارَ الْمُضِيءَ الْمُظِلَّا
وَمَا قُلْتُ لِلنَّاسِ لَا، لَا
وَلَكِنْ.. أَقُولُ لَعَلَّا
لَأَنِّي لَهُمْ طُولَ عُمْرِيْ
وَيُؤْلِمُنِي قَوْلُ كَلَّا
فَلِلَّهِ دَرُّكَ طِفْلَاً
وَلِلَّهِ دَرُّكَ كَهْلَا
وَلِلهِ دَرُّ بِلَادِيْ
فَفِيهَا تَعَالَيْتُ نُبْلَا
وَقَدْ أَلْهَمَتْنِي سَخَاءً
فَمَا عَايَنَ الْقَلْبُ بُخْلَا
إِذَا الْمَاءُ بِالْخَيْرِ يَجْرِيْ
أَنَا الْمَاءُ مَنْحَاً وَبَذْلَاَ
فِفَي اللِينِ أَغْدُو غَمَامَاً
وفِي الْحَرْبِ أُصْبِحُ سَيْلَا
تَغَرَّبْتُ فِي الأرْضِ حَتَّى
غَدَتْ كُلُّ أَرْضٍ مَحِلَّا
يَتِيمٌ مَعَ الْحُزْنِ دَرْبِيْ
وِمَا زادَنِي الْحُزْنُ حِمْلَا
فَأَلْهَمَنِيْ شُكْرَ رَبِّيْ
وَفِي أَنْ أَكْونَ الْمُجِلَّا
وَأَنْ أُسْعِدَ الْخَلْقَ بَذْلَاً
فَأَسْعَدُ وَالْحُزْنُ وَلَّى
تَشَكَّلْتُ مِنْ كُلِّ فَرْعٍ
عَلَى ذَاكَ حَرْفِيَ دَلَّا
وَآخَيْتُ كُلَّاً بِكُلٍّ
فَكُنْتُ أَنَا الْفَرْدُ كُلَّا
مَعَ الْغَيْمِ تَخْتَالُ صَنْعَاْ
وَقُرْبَ الْمِيَاهِ الْمُكَلَّا
فَمِنْ مَشرِقٍ بَاتَ عِشْقِي
إلَى مَغْرِبٍ لَيْسَ يُسْلَى
وَلِيْ فِي الْعِرَاقِ مُقَامٌ
إذا مَا الْعِرَاقُ اسْتَقَلَّا
وَكَمْ فِي الشَّآمِ جَمَالٌ
لِمَنْ بالْجَمَالِ تَحَلَّى
لِمِصْرَ العزيزةِ حُبِّيْ
نَهَلْتُ مِنَ النِّيلِ نَهْلَا
وَمَا كَانَ قَصْدِيْ مِيَاهَاً
قَصَدْتُ الْمَعَارِفَ جُلَّا
فِلِسْطِينُ هَاتِيْ يَدَيْكِ
أُقَبِّلُ بِالرُّوحِ دِفْلَى
أَنَا وَاللغَاتُ لِسَانٌ
عَلَى الَّلَهَجَاتِ اسْتَدَلَّا
أُغَنِّيْ غِنَاءَ الْبَوَادِيْ
وَلَحْنَاً لَهُ الْقَلْبُ ذَلَّا
أُوَزِّعُ بِاللحْنِ رُوحِيْ
وَأَجْمَعُ بِاللحْنِ شَمْلَا
أُغَنِّيْ الْحِجَازَ بَيَاتَاً
وَلَحْنَ الصَّبَا حُزْنَ لَيْلَى
كَأَنَّ الْحُمَيْنِيْ* بَيَانِيْ
إِذَا مَا السُّهَيْلُ اسْتَقَلَّا
عَلِيٌّ وَلَكِنَّ قُرْبِيْ
مِنَ النَّاسِ أَثْرَى وَأَعْلَى
فَأصْبَحْتُ فِيهِمْ حَبِيبَاً
وَلِلشِّعْرِ أَصْبَحْتُ نَجْلَا
غَنِيَّاً بِكُلِّ الْمَعَانِيْ
وَمَا كَانَ مَبْنَايَ شَكْلَا
حَفِيَّاً بِكُلِّ جَدِيدٍ
فَرِيدٍ.. أَتَانِي مُطِلًّا
وَمَا كَانَ مَا نِلْتُ سَهْلَاً
وَإنْ ظَنَّهُ النَّاسُ سَهْلَا
بِكُلٍّ تَدَاوَيْتُ حِينَاً
فَبَيْنٌ.. يُقَابِلُ وَصْلَا**
ثَلاثُونَ عَاماً وَرَهْطٌ
يَكِيدُونَ، وَالْكَيْدُ لَيْلَا
تَجَمَّعَ مِنْ كُلِّ حِزْبٍ
يَسُنُّونَ بالدِّينِ نَصْلَا
وَكَانُوا يُرِيدُونَ قَتْلِيْ
وَكَانُوا يُبِيحُونَ قَتْلَا
ولكنِّ ربًا رحيماً
حماني فعزَّ وجلَّا
وَمَا كُلُّ مَنْ شَاءَ أَفْتَى
وَمَا كُلُّ مَنْ قَامَ صَلَّى
وَلَا يُدْرِكُونَ الْمَعَانِيْ
وَبِالْجَهْلِ يُرْسُونَ جَهْلَا
لَهُمْ لِلْكَرِيهَةِ.. شُغْلٌ
وَيأْبَوْنَ لِلسِّلْمِ شُغْلَا
فَهَلْ فَتَّشُوا جَوْفَ صَدْرِيْ
وَكَانُوا لَدَى الْغَيْبِ رُسْلَا..؟!
كَدَأْبِ الْمُنَافِقِ مَيْلٌ
إِذَا ضَلَّتِ النَّاسُ ضَلَّا
مُقِيمٌ عَلى جُرْفِ وَهْمٍ
فَإنْ هَبَّتِ الرِّيحُ زَلَّا
فَأَيْنَ هُمُ الْآنَ قُلْ لِيْ
أَيَا مَنْ تَبِعْتَ الْمُضِلَّا
وَيَا ذَا الْقَطِيعُ وَدَاعَاً
بِكَ الْجُرْفُ يَزْدَادُ مَيْلَا
مِنَ النَّاسِ تَخْشَوْنَ عَيْبَاً
فَوَيْلٌ لَكُمْ.. صَارَ وَيْلَا
تَقُولُونَ شِعْرِيْ حَدِيثٌ
وَلَا يُحْسِنُ الْمَشْيَ رِجْلَا
فَقُلْتُ صَحِيحٌ لِأَنِّي
أَطِيرُ.. وَأرْفَعُ نَخْلَاَ
أَنَا أُبْدِعُ الشِّعْرَ حَيَّاً
وَلَا أَنْقُلُ الشِّعْرَ نَقْلَا
وَشِعْرِيْ نَمِيرٌ فُرَاتٌ
وَشِعْرُكُمُو بَاتَ وَحْلَا
إِذا قُلْتُ بَرْدَاً سَلَامَاً
فَقُوْلُكُمُو.. كَانَ مُهْلَا
تَرَكْتُ لَكُمْ مَا أرَدْتُمْ
مِنَ الْغَيِّ وازْدَدْتُ عَقْلَا
فَإِنْ سَاءَلُوكَ، وَعَنِّي
فَقُلْ صَادِقٌ يَوْمَ تُبْلَى***
لِأَنَّ صَلَاتِي لِرَبِّيْ
وَلَيْسَتْ لِوَغْدٍ تَخَلَّى
عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ يَعْمَى
بَصِيرٌ، إذَا الْبَغْيُ حَلَّا
وَإيمَانُ قَلْبِيْ عَظِيمٌ
وَمَا كُنْتُ لَوْلَاهُ حِلَّا
بِعِزِّ الْبِلَادِ.. بِلَادِيْ
وَعِنْدِي الْفُؤَادُ وَأَغْلَى
مَضَى كُلُّ شَرٍّ وَنَبْقَى
نُخَلِّدُ شُكْرَاً.. لِمَوْلَى
لِأَنَّ بِنَا الشِّعْرَ يَسْمُو
وَأَنَّ بِنَا الذِّكْرَ يُتْلَى
إذَا اسْتُثْنِيَ الشِّعْرُ إِنَّا
كَتَبْنَاهُ مِنْ بَعْدِ إلَّا****
فَقُلْ لِلَّذِينَ رَمَوْنِيْ
يَزِيدُوا مَعَ السُّوءِ غِلَّا
فَمَا كَانَ مَا قِيلَ تَقْوَى
وَمَا كَانَ مَا قِيلَ عَدْلَا
وَلَكِنْ تَهَافُتَ وَعْيٍ
وَحِقْدَاً دَفِينَاً.. وَسُلَّا
وَمَا سَاءَهُمْ غَيْرَ أَنِّيْ
كَبِرْتُ وَمَا زِلْتُ طِفْلَا
** **
*الحُمَيْنِي: شعر الغناء الصنعاني
**قيسُ بنُ الملوَّح:
بَكُلٍّ تدَاوَيْنَا.. فلمْ يُشْفَ مَا بِنَا عَلَى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ
على أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنَافِعٍ إذَا كَانَ مَنْ تَهْوَاهُ.. لَيْسَ بِذِي وُدِّ
***السَّرَائر
**** {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (227) الشعراء.
** **
mjharbi@hotmail.com