د. إبراهيم بن محمد الشتوي
إن اللون المحايد بالنسبة للشفتين هو النيود، وهو ما يخرجها من عملية التواصل (إن صح التعبير) أو الجذب، ويجعل منطقة الفم صامتة، فما اللون المحايد لمنطقة العينين الذي يجعلهما صامتين، وخارج عملية التواصل حين يتجه التركيز إلى الفم؟
يؤكد الكاتب أنه في ظل استعمال لون أحمر للشفاه براق، فإن ظل العيون ينبغي أن يكون هادئًا، وغير قوي، فالهدوء في لون الظلال يتم من خلال استعمال ألوان هادئة خفيفة أو أن يكون خلوًا من كل لون، يكتفي فيه بما يسمونه «لون الأساس». وهو اللون الذي تبنى عليه صورة الوجه المراد إخراجها، وهو لون في الأغلب لا يتعارض مع لون الجلد الأصلي، ويؤسس للألوان التي ستستعمل فيما بعد للشفتين أو الخدين والصدغين أو العينين.
وفي هذه الحالة لن يصبح للعيون أو ما يجاورها من حضور في المشهد الاتصالي. وبناء على أنه في حالة إخفات منطقة العيون أو إصماتها يتم إثارة الفم والشفتين، فإن التواصل هنا يكون على مستوى آخر مختلف، ربما لا تحضر فيه الروح كثيرًا كما في لغة العيون التي تحدث عنها الشعراء كثيرًا، وإنما تكون الحواس الجسدية هي الحاضر الأكبر خاصة إذا ضممنا إلى ذلك وظيفة الفم الأصلية وهي الحديث (الصوت الصاخب)، والأكل وهي وظيفة عملية حسية بحتة، ثم الذوق أيضًا، فالاتصال الفيزيائي الحسي الصاخب واضح في منطقة الفم، بخلاف العينين الصامتتين، وهذا ينعكس على موقف كل واحد في العملية التواصلية وما يصحبه من لون، فإذا كان اللون قويًا مركزًا فإن الرسالة الجسدية واضحة، وهي رسالة تميل إلى الإيحاء بالإغراء والإغواء.
وإلى هذا ينسب الاتجاه في تكبير الشفتين، ومنحهما مساحة أكبر مما هما عليه في منطقة الفم باستعمال أحمر الشفاه حيث يقوم بعض المزينين باستعمال ما يسمونه بقلم التحديد، فيضيف إليهما أن كانا دقيقين حجمًا إضافيًا يعكس حضورهما في المشهد الاتصالي، كما يعكس نوع البعد الجسدي في هذا الاتصال أو الرغبة في التركيز عليه.
وبقدر هذه القوة في تركيز اللون يكون وضوح الرسالة وبروزها في لون الشفتين أو حجمهما، اللذين لا يبدو أن نوع اللون له أثر فيها، خاصة وأنه يمثل في الأغلب نوعًا من تأكيد اللون الأصلي للشفاه وإبراز له، وإذا ما عدل عن هذا اللون وهو القليل فإنه يكون إلى لون أكثر إثارة وإبرازًا لهذه المنطقة وحضور في عملية التواصل.
وحين يعمد التلوين إلى إظهار اللون الأصلي وإبرازه، فإن هذا يعني الرغبة في التركيز على الوظيفة التي يقوم بها الفم وهو ما يزيد البعد الحسي في عملية التواصل، وفي الهدف من التزيين، ويزيد هذا البعد التوحشي في موقف الشفتين الحاد الصاخب حين يكون لون الشفتين على لون الشعر وكأن قطعة منه قد اصطبغت بها منطقة الفم، ما يبعد شبح البراءة والهدوء عن هذه المنطقة.
على أن الجواب على سؤال الهدف من التجميل ليس بالسهولة التي يبدو عليه للوهلة الأولى، فإذا كان التجميل يبدو هو الجواب الظاهر، فإن الهدف من التجميل ليس بالضرورة يكون لوظيفته المعتادة، وهو الإثارة والجاذبية وإنما قد يكون لوظائف أخرى كالدلالة على الحالة الاجتماعية للشخص خاصة حين يكون الشخص قد اتخذ ما يسمى بالألوان المحايدة الوسيلة للتجمل، ما يعني أنه لا يختلف كثيرًا عمّا كان عليه الأمر، أو أنه يظهر الشخص على جانب من التأنق والاهتمام بالنفس أكثر من أن يكون تجملاً، وهو ما يكشف عن حالته الاجتماعية حيث عدم الرغبة في التبذل، والظهور على صورة لا يبدو فيها غير مبال بمظهره أو هندامه، وهذا ما يجعل هذه الألوان بمنزلة الهندام الذي ليس بالضرورة أن يكون الهدف منها الزينة بقدر ما يكون المظهر اللائق. وهذا يخرج هذه الأصباغ من حيز التجميل والتبرج الذي يقصد منه الفتنة والإثارة إلى حيز السلوك الاجتماعي اليومي الذي يعني ما سواه إهمال وبذاذة.
وتبدو الحالة الاجتماعية بمقارنة وضع هذه الأصباغ من عدمها، وبأنواعها، فهي درجات متباينة الأنواع والأسعار، وفيها الزهيد والثمين، الذي يعكس قدرة واضعه الشرائية ثم الاجتماعية، كما أيضًا من خلال موافقته لثقافة وضعه، فما يكون في المساء يختلف عمّا يكون في الصباح، وما يكون في سهرة خاصة يختلف عمّا يكون في لقاء عام، وما يكون في لقاء رسمي يختلف عمّا يكون في لقاء حميم في إطار المودة أو الإثارة، والخلط بين هذه المناسبات المختلفة لا يعكس عدم معرفة بهذه الفنون وإنما قد يعكس عدم مراعاة لتقاليد وضع هذه الأصباغ التي أصبحت جزءًا من التقاليد الاجتماعية.