حسب قاموس المعاني: - «العقيدة هي الحُكْم الذي لا يُقْبَلُ الشك فيه لدى مُعْتَقِدِهِ»، وهو تعريف يتناول الفرد الواحد «مجرداً» عن تاريخه وجغرافيته ونشأته ومجتمعه. وكذلك يغفل أن الفرد الواحد له «عقائد» مختلفة باختلاف مراحله العمرية وتفاعله الاجتماعي- بما في ذلك «عقيدته الدينية»- التي تنضج وتتبلور كلما تقدم بالسن. وبقدر ما يمتلك كل فرد في الكون عقيدته الخاصّة به، إلا أنه لا يوجد في الكون عقيدة مستقلة بذاتها، بل توجد عقائد جماعية مشتركة بين أفراد المجتمع الواحد؛ أو الإقليم الواحد؛ أو البشرية كلها؛ مهما كانت نسبية.
«العقيدة العسكرية» لأي جيش أو قوات مسلحة هي مثال ساطع على العقيدة المشتركة. وذلك ليس لأنها تشمل مجموعة من الأفراد وحسب، إنما لأنها تحدد المهمات؛ وكيفية تنفيذها؛ ومن هو العدو؛ ومن هو الصديق أو الحليف؛ وكيفية حماية الوطن.
«عقيدة» الجيش المصري مثلاً، لم يقم السادات ببنائها، بل نشأت وترعرعت منذ سعد زغلول وما قبله، ثم نضجت في زمن «مصر عبد الناصر». وعندما حاول السادات الخروج عنها مات مقتولاً؛ وكذلك عندما حاول مرسي إعادة بنائها غدى محبوساً؛ أي أن دوره قد «مات» هو وإخوانه. وهذا بالذات ما فشل القاموس ببيانه في التعريف، فالعقيدة لا تقبل «الإهانة»؛ وليس «الشك». وهناك جانب على قدر كبير من الأهمية لم يستطع القاموس تضمينه في التعريف، وهو أن العقيدة الجماعية هي أساس عقيدة الأفراد. وعقيدة أي فرد في المعمورة مستمدة من عقيدة المجتمع؛ بتاريخه؛ وتفاعله مع العقائد الأخرى؛ وجغرافيته؛ ومضمون إنتاجه الإبداعي والفكري. ويأتي دور الأفراد في إعادة إنتاج «العقيدة» على أساس التجربة الاجتماعية أولاً ثم التجربة الفردية.
مما لا شك فيه أن العقيدة الجماعية أقوى وأشد من العقيدة الفردية. وهي تزداد قوة كلما اتسعت رقعتها الاجتماعية. وهي قوة كامنة لدى الشعوب كافة. لذلك كانت ولازالت «العقيدة» هي العائق الأبرز لمطامع النظام الرأسمالي منذ نشوئه. فلم يجد هذا النظام وسيلة؛ حتى الآن؛ لإعادة بناء العقيدة كما يريدها هو؛ لا لدى شعوبه؛ ولا لدى شعوب مستعمراته! وهو قد أدرك مبكراً أنه لا يمكن إعادة التاريخ. فالتاريخ زمن؛ والزمن لا يعود. ولكنه بذل جهوداً محمومة في الماضي، لإعادة «قراءة» التاريخ من منظاره هو؛ أي تزوير الوقائع التاريخية «فكرياً وثقافياً» لتناسب وتبرر ممارساته. وأول ما بدأ به هو جعل «العقيدة» في المرتبة الثانية، بواسطة زرع الخوف لدى الناس من بعبع وهمي يطبل له إعلامه المشبوه ليلاً نهاراً، ألا وهو الخطر الشيوعي والسوفيتي وتصدير الثورات. أما عندما سقط الاتحاد السوفياتي ومعه «البعبع»، اضطر لاختراع بعبع بديل اسمه «الإرهاب»، الذي بذل أموالاً طائلة لصناعته. وبعد افتضاح أمره، لم يجد بداً من «الوقاحة» المباشرة. فقد أعلن على الملأ، أنك إذا لم تكن «عبداً» لي فأنت ضدي ... وإذا لم تكف عن المطالبة بحقك، سأغرقك بالنفايات؛ وأقطع عنك الماء والكهرباء والغذاء ومقومات الحياة الأخرى. وإذا لم ينفع كل ذلك؛ سأسلخ جلدك بحرب «أهلية» لتتقاتلا أنت وأخيك من أجلي أنا. وبالرغم من كل «الغي» الرأسمالي تبقى «العقيدة» شامخة لا تنحني كأشجار النخيل، بل تزداد شموخاً وقوة ولا تقبل «الإهانة»! وقد تتوسع لكي تكون «عقيدة» جيش وشعب ومؤسسات!
** **
- عادل العلي