إن المتأمل في كتابات ريم بسيوني وآن سكستون يتوقف عند الكثير من نقاط التلاقي والتنافر بين كلا الأديبتين فالأولى كاتبة وروائية مصرية عربية تحمل الدكتوراه من جامعة أوكسفورد والثانية كانت ربة منزل ولم تكمل تعليمها الجامعي إلا أنها حققت تميزا ملحوظا في كتابة الشعر حتى إنها حازت علي جائزة بوليتزر في الأدب، الجائزة الأرفع في الولايات المتحدة وتأتي في المرتبة الثانية بعد نوبل ولكن ماذا يجعلنا نتوقف عند هذين النموذجين تحديداً؟
أولاً: كلتا الأديبتين تتميزان بما يسميه الدكتور طه حسين «ذكاء الفؤاد» حيث يجتمع الخيال مع الموهبة والحرفية مع الفطرة الأدبية فكلتاهما ممن يمكن أن نطلق عليهما لقب أديب مطبوع لا مصنوع.
ثانياً: أعمال كلتا الأديبتين تأثرت برؤيتهما للحياة worldview وبالفلسفة التي تنطلقا منها، ففي حين تنطلق ريم بسيوني من إيمان راسخ بوحدانية الإله (الله في الإسلام) وبمركزيته في الكون والتي تجد صداها في غالبية أعمالها إن لم تكن كلها فكتابات ريم بسيوني تعكس منظومة قيم تكاد تضرب بجذورها في أعماق التاريخ فهي في حين جذور مصريتها الفرعونية وفي حين أخر هي حضارتها الإسلامية ويمكن أن نطلق على الرباط الذي يغزل قيم ريم بسيوني معاً ما أطلقه جمال حمدان على العلاقة بين الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية فهي علاقة الجد (الحضارة الفرعونية) بالأب (الحضارة الإسلامية) ولنبدأ «بالدكتورة هناء» التي هي في رأيي سيرة شبه ذاتيه، حيث خالد المتدين ونموذج للمصري الصبور ذي الجلد والعزيمة ثم بائع الفستق حيث وفاء المتدينة «مرة أخرى» حتى في اشتهائها للآخر تظل الشهوة بيسة خيالها ثم في «مرشد سياحي» «وأولاد الناس» حيث الوطن والقيم التي تصور الاستمرارية والانقطاع في منظومة القيم في المجتمع المصري إلا أن الملفت للنظر في أعمال ريم بسيوني هو الحضور الطاغي للدور الإلهي في حياة البشر وأن البشر لا يمتلكون القوة إلا في ظل الإله، هذا الحضور يعكس ما أسماه د.عبدالوهاب المسيري «ميتافيزيقا التجاوز» أي المرجعية المتجاوزة للفلسفة المادية ومن هنا يمكن تحليل النموذج المعرفي الكامن وراء كتابات ريم بسيوني فهو نموذج يؤمن بالخالق وبأن هذا الخالق مفارق للكون متصل به فليس هو بحال فيه (نموذج الحلول في الطبيعة) وليس بمفارق له (نموذج صانع الساعات الأعمى blind watchmaker)
وعلى النقيض، فأعمال آن سكستون تعكس نموذج معرفيا سائلا لا تستطيع فيه تحديد قيمة أو تغليب فكرة بل هي حالة من السيولة التامة فقيم اللحظة ليست هي قيم اليوم والتي تختلف قطعا عن قيم الغد والمتتبع لأعمال آن سكستون التي أنهت حياتها بالانتحار في أواخر سبعينيات القرن العشرين أنها كتابات ذاتية لكنها تعكس منظومة قيمية واجتماعية ففي قصيدتها «اللعنة علي كل المرثيات» A Curse against Elegies تضطرب القيم وتتذبذب الثوابت فالمرثيات التي هي في الأصل عزاء ورثاء في الأموات تغدو لعنة ويغدو الأحياء كالأموات فهم لا يسمعون أحدا ولا يكترثون لأحد وتارة تلتمس الشاعرة العذر لهؤلاء الأحياء فلماذا عليهم أن يفكروا في الآخرين فهم معذورون وتارة تعاني الشاعرة من تجاهل الآخرين لها (الأحياء) فتسبهم وتهاجمهم ويتحقق في أعمالها ما تنبأ به تي إس أليوت في قصيدة Waste Land حيث تشيؤ الإنسان وتشوه فطرته وغياب مرجعيته فلا ثابت ولا مركز ولا رؤية حاكمة بل اضطرابات نفسية ومزاجية وسيولة قيمية، تنتشر تلك الصور والنماذج المعرفية في كل أعمال آن سكستون، الأمر الذي يجعلنا نخلص إلى تحليل الرؤية المعرفية للكون من خلال كتابتها حيث تبرز الهشاشة النفسية الغربية وسيولة فلسفتها الحداثية Liquid Modernity علي حد تعبير عالم الاجتماع البريطاني Zygmunt Bauman
** **
د. عصام حجازي - دكتوراه الأدب المقارن بجامعة القاهرة -باحث مشارك بجامعة بون- ألمانيا- معهد الدراسات الشرقية