د. عبدالحق عزوزي
تهاطلت موجات من الغضب العالمية بعد أن تبنت قمة المناخ 25 التي عقدت مؤخراً في مدريد، في جلستها الختامية، اتفاقا بالحد الأدنى. إذ شدد المشاركون على «الحاجة الملحة» للتحرك من أجل مكافحة الاحتباس الحراري وعلى الالتزام بخفض انبعاثات الكربون، لكن بدون التوصل إلى اتفاق حول النقاط الأساسية للاستجابة لحالة الطوارئ المناخية ونداءات الناشطين المدافعين عن البيئة.
فبعد سنة كاملة اتسمت بالكوارث المناخية ودعوات ملايين من الشبان الذين نزلوا إلى الشوارع تأييداً للناشطة السويدية الشابة غريتا ثونبرغ والتقارير العلمية المحذرة، تعرض موقعو اتفاق باريس للمناخ لضغوط غير مسبوقة خلال مؤتمر الأطراف الذي ترأسته تشيلي لكنه نقل إلى مدريد بسبب الأزمة التي يشهدها البلد..
ثم بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، فشلت قمة الأمم المتحدة بمدريد في التوصل إلى اتفاق حول قواعد أسواق الكربون الدولية، وهو الشق الأخير في الدليل الإرشادي التابع لاتفاقية باريس للمناخ المبرمة عام 2015. وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن «خيبة أمله» إزاء نتائج قمة المناخ الدولية، ووصفها بأنها فرصة ضائعة لمعالجة أزمة الاحتباس الحراري. وأصدر غوتيريس بيانا مع اختتام القمة اجتماعها الماراتوني قال فيه «أشعر بخيبة أمل من نتائج القمة، فقد ضيع المجتمع الدولي فرصة مهمة لإظهار المزيد من الطموح للتخفيف من أزمة المناخ والتكيف معها وتوفير التمويل اللازم لذلك».
وهذا الفشل كان منتظراً بعد قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من الاتفاقية الدولية للمناخ، مما جعل المجهودات الدولية التي تابعناها منذ أزيد من عقد من الزمن، والتي كانت أبطالها منظمات دولية ومؤسسات حكومية وغير حكومية، ومنظمات أهلية وأفراد دوليين نافذين، وصرفت فيها الملايين من الدولارات وشهدت الكثير من المفاوضات الدولية الشاقة، قد توقفت، بسبب القرار الأمريكي.
الاتفاق المؤسس كان قد وقعت عليه في باريس 194 دولة، ويتعهد المجتمع الدولي بموجبه بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها «دون درجتين مئويتين»، قياسا بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وبـ»متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية». وهذا يفرض تقليصا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات. وتؤكد دول عديدة، خصوصا الواقعة على جزر والمهددة بارتفاع مستوى البحر، على أنها ستصبح في خطر في حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية. وتتمثل أحد أهم إجراءات الاتفاق في وضع آلية مراجعة كل خمس سنوات للتعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية. وستجري أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية «إحراز تقدم». وبعد سنوات من التوقيع يجب أن تجري الـ194 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية وستدعى في 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها. ويتعين أن تكون الدول المتقدمة «في الطليعة في مستوى اعتماد أهداف خفض الانبعاثات»، في حين يتعين على الدول النامية «مواصلة تحسين جهودها» في التصدي للاحتباس الحراري «في ضوء أوضاعها الوطنية»..
صفقت مع العديد من المتتبعين والفاعلين في هذا الباب عندما رأينا كل دول العالم توقع إيجابا لهذا الاتفاق الدولي الملزم، لأن الموضوع له علاقة بمستقبل الكرة الأرضية وبمستقبل أبنائنا والأجيال المقبلة؛ فأن تلتزم جميع الدول تقريبا طواعية بمحاربة تغير المناخ عن طريق خطوات تستهدف الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى مثل ثاني أكسيد الكربون الناتج من احتراق الوقود الأحفوري الذي هو وراء ارتفاع حرارة الأرض وارتفاع منسوب البحار والجفاف والعواصف الشديدة، فتلك مسألة فريدة في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة وتاريخ البشرية ومستقبل أولادنا، لأن الأنانية التي تطبع القوى الدولية الكبرى، ولكن للأسف تجري الرياح بما لا تهوى السفن فبدأت الاتفاقيات الدولية تتوقف رويدا رويدا...
صحيح أن البيان الختامي لقمة مدريد دعا إلى «خطوات عاجلة» لتقليص الهوة بين الالتزامات والأهداف التي نص عليها اتفاق باريس لجهة الحد من ارتفاع حرارة الأرض، غير أن النتيجة كانت «دون التوقعات». وهو ما جعل مهندس اتفاق باريس لورانس توبيانا يقول إن «الفرقاء الرئيسيين الذين كنا نأمل منهم تقدما لم يلبوا الطموحات»، مع ملاحظته أن تحالف الدول الأوروبية والإفريقية والأمريكية الجنوبية أتاح «انتزاع نتيجة هي الأقل سوءا في وجه إرادة كبار الملوثين.