سمر المقرن
الدموع هي مطافئ الأحزان العظيمة، ويتحلَّى بها أصحاب القلوب المرهفة. أرى أنها بمثابة المسكن الطبيعي للآلام. حتى من الناحية الصحية اطلعت على دراسات لمتخصصين في علم النفس يؤكدون أن الدموع تفرز هرمونات هي نفسها المواد التي يفرزها الدماغ في الدم أثناء التعرض للضغط العصبي والنفسي وتسبب راحة نفسية كبيرة. والدموع متنفس صحي يغسل الأوجاع والأحزان وكافة المشاعر السلبية الأخرى، وكتمانها يؤدي إلى القلق والتوتر ويضر بالقلب والأوعية الدموية ويسبب عدداً من الأمراض وليست أمراض الضغط والسكر عنها ببعيد، إضافة إلى ضعف جهاز المناعة، بل أحياناً السكتة الدماغية. ومنع البكاء تماماً يؤدي إلى أضرار ليست سهلة تبعاً لدراسة كلية هارفارد كالإصابة بجلطات المخ والقلب بنسبة تزيد عن 35 % للأشخاص الذين يبكون. وأشار باحثون هولنديون من جامعة «تلبرج» الهولندية، إلى أن المرأة تبكي من 30 إلى 64 مرة على مدار العام، والرجل يبكي من 6 مرات إلى 17 مرة فقط، لا سيما أن معظم الرجال تربوا على أن البكاء عيب وخزي، وهذه ثقافة لا أتفق معها مطلقاً لأن المشاعر الإنسانية لا دخل لها بجنس الإنسان!
ومن هنا تبدأ المشكلة في تربية الأطفال الذكور على أن البكاء عيب وحرام، وأنه للبنات فقط، حيث من هذا المدخل يبدأ الطفل الذكر يشعر بأنه أفضل وأعظم درجة من الأنثى، ويبدأ في ممارسة الذكورية سواء كانت بقصد أو بدون قصد. كما أن في هذا حرمان للطفل في التعبير عن مشاعره وحقه في البكاء، لأن الامتناع عنه يؤدي لخلل المشاعر وتحويل الأولاد إلى غلاظ القلوب بمشاعر متبلدة.
الأحزان هي جمرات من نار لا تطفئها إلا الدموع، وهي دليل قوة وليس ضعفاً لأشخاص واجهوا الواقع والمجتمع الذي يستنكر البكاء ويعتبر الشخص الباكي ضعيفاً! فلماذا الإحجام عن البكاء خاصة عند وقوع البلاء؟ وإن القلب ليحزن والعين لتدمع وتداوي جروح أصحابها وتجلي صدأ الهموم بهبة من الله هي الدموع، بل إن موت أي إنسان لا يخفف وجعه في القلوب إلا عندما يغسله أحبابه بالدموع، والأشخاص الذين لا يبكون على موتاهم قد يظلون غير مصدقين موتهم وربما يصابون بأمراض نفسية وعضوية نتيجة لعدم سكب الدموع، كلامي هذا بلا شك بعيد عن دموع التماسيح التي تبكي عندما تفشل في هضم فريسة أو عندما تستعد للافتراس.
الدموع بكل مشاعرها الإنسانية الجميلة هي مطافئ الأحزان، مع هذا، يظل البكاء حلاً مؤقتاً مريحاً - أحياناً- ولكن لا بد من البحث عن حلول جذرية للمشاكل التي تواجه الإنسان!