سلمان بن محمد العُمري
من الكلمات الطيبة التي كانت تطلقها العامة ولا تزال في مجتمعنا على الرجال الأفاضل هذا فلان "وجه خير"، أو فلان "وجه الخير"، وقد يكون هذا الإنسان معدماً مالياً ولكنه يملك من الأخلاق الفاضلة كنوزاً عالية الثمن والقيمة، وهناك من الناس من يجمع بين الاثنين الإحسان قولاً وعملاً باللسان وبالبنان بما أنعم الله عليه، وهناك من جمع السوء بأطرافه فلا أحسن بماله ولا بلسانه ولا أفعاله حتى قال الناس عنه: "من خيرك كفاية شرك"، وهذا يطلق على "الوجه الودر".
وأي مجتمع على مستوى الأقارب والأصدقاء والجيران لا يخلو من هذه الأصناف، والناس ليسوا سواء وهم على تفاوت في الخير والمعروف أو حتى سوء الأخلاق.
ومن الناس من هو كالغيث إذا حل نفع فتجده محبوباً ومقبولاً من الناس جميعاً يحبونه ويأنسون به ويسعدون بقدومه، وآخر في المقابل تجده منفراً للمجالس أينما حل وارتحل وهو أسوأ الناس خلقاً وأقطعهم رحماً حتى وإن عاد وزار فانقطاعه خير من وصله لأنه لا يحل في مجلس إلا وشتم هذا، وانتقص ذاك، وتعالى على الآخرين بالفهم والعلم وازدراء الناس حتى وإن كانوا أقاربه وعصبته وأهله وعزته.
والبعض يتصور أن من البر والصلة الزيارة فقط وحضور المناسبات نعم هي من هذا الباب ولكن الباب الأسمى هو بذل المعروف ومنع الأذى وربما كانت قطيعته بعدم الزيارات والحضور أنفع وأجدى إذا كان سيترتب على حضوره الإساءة للآخرين، وتجنب البعض حضور المجالس التي يغشاها.
الجميل أن يحضر الإنسان الاجتماعات العائلية وجمعات الأصدقاء ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ويعود لمريضهم ويجيب داعيهم ويشاركهم في السراء والضراء فهذا مما يزيد المحبة ويعزز الصلات، والبعض يتحمل ما يرد من بعض أقاربه وأصحابه من الإساءات ويقابل إساءتهم بالحسنى وأذيتهم بالصفح والعفو انطلاقاً من قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، والرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من سيئ الأخلاق، وقال صلى الله عليه وسلم "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".
فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن هذا المفلس يأتي بصيام وزكاة وقبلها الصلاة ولكنه مفلس بتعديه على الناس بلسانه وبأخذ أموالهم والاعتداء عليهم.
وحديث آخر أن رجلاً قال: يا رسول الله إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال: هي في النار، قال يا رسول الله: فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي بلسانها جيرانها قال: هي في الجنة.
والواجب على كل مسلم ومع المسلمين جميعاً أن يتجنب أذاهم وخاصة ذوي الأرحام، وأن يسعى كل منهم لأن ينتزع من قلبه كل ما هو مذموم فلا حقد بينهم ولا حسد ولا عداوة ولا بغضاً ولا ضغينة بل حب ووفاء وتآلف ومودة ورحمة وتخلوا قلوبهم من الغل وتجمع بينهم أسمى الروابط وأوثق العلاقات.
إن بعض الناس وخاصة الشباب بل وحتى بعض الكبار يتجنب الحضور لمجالس أسرته لأن بذيئاً في المجلس يمطر الناس بإساءاته المتكررة تارة، وبالأسئلة العجيبة أو الازدراء أو الاستهزاء أو الاستملاح والتنكيت السمج فتكون تصرفاته المشينة والدائمة سبباً في هجران المجالس والقطيعة وعدم التواصل ولا يريدون أن يسيئوا لأنفسهم ولغيرهم بالرد عليه، وخير الناس من يألف ويؤلف ويصل رحمه، وشرهم من لا يألف ولا يؤلف ويكون سبباً في قطيعة الرحم. نسأل الله العافية.