تعدّ الإدارة بالجدارة أحد أهم وأنفع نظم الإدارة المعاصرة، لاختيار وإدارة وتحفيز العنصر البشري، وضمان تحقيق أكبر قدر من النجاح والتميز ورفع الإنتاجية وجودة العمل.
وسعياً للتمييز بين الموظفين الجديرين -الذين تعتبرهم الشركات أهمَّ أصولها- وبين الموظفين العاديين، قام علماء الإدارة في مؤتمر عالمي بجوهانسبرج عام 1995، بصياغة مفهوم «الجدارة الوظيفية»، حيث تم تعريف الجدارة بأنها «السِّمات والمؤهلات الشخصية العلمية والعملية، التي تمكّن الموظف من تحقيق مُعدّلات أداء خارقة وقياسية، تَفوق المعدّلات العادية».
وفي أيّ مؤسسة يمكن التمييز بين نوعين من سِمات الموظفين، فالموظف المتوسط يمتلك الحدَّ الأدنى من المهارات التي تُمكِّنه من الاحتفاظ بوظيفته، أما الموظف الخارق أو الممتاز، فهو الذي يمتلك الحدّ الأقصى من المهارات التي تمكّنه من تجاوز المعدلات العادية للأداء.
هناك 3 أنواع من الوظائف داخل معظم الشركات، تتمثل في:
أولاً: وظائف الإدارة التي تقوم بالتخطيط والإشراف والتوجيه، والتي تتطلب الحدّ الأعلى من سمات الجدارة القيادية والشخصية.
ثانياً: الوظائف التقنية المسؤولة عن الإنتاج والصيانة، وتتطلب أعلى سمات الجدارة التقنية والعملية.
ثالثاً: الوظائف التنفيذية المسؤولة عن الاتصال والمتابعة، وتتطلب أقصى درجات الجدارة الشخصية والقيادية.
من ثَمّ فإن سِمات ومواصفات الجدارة تختلف باختلاف طبيعة الوظيفة، بالتالي يمكن تصنيفها وتقسيمها إلى أربع حزم رئيسية، تضمّ كلُّ واحدةٍ منها عدة متطلبات:
1 - حزمة الجدارة الإنتاجية، وتتطلب التركيز على الأهداف والاهتمام بالجودة، ومواعيد التسليم، والرغبة في التطوير والابتكار، والمبادرة والحماس والإخلاص في العمل، وحلّ المشكلات قبل تفاقمها.
2 - حزمة الجدارة الفنية، وتتطلب القدرة على التعامل مع البرمجيات والأجهزة الضرورية للعمل، والمؤهلات والخبرة العملية،والقدرة على حلّ المشكلات، والتعامل مع المعلومات.
3 - حزمة الجدارة القيادية، وتشمل القدرة على التعامل مع المشكلات الإنسانية وحلّها بطرق دبلوماسية، والقدرة على التأثير الاجتماعي، وتعزيز النفوذ داخل المؤسسة، والقدرة على التوجيه والإشراف والتدريب.
4 - حزمة الجدارة الشخصية، وتتطلب القدرة على الالتزام وإدارة الذات، والثقة بالنفس وتقبّل النقد، والمرونة والقدرة على العمل في فريق، والقدرة على التعامل مع الرؤساء وتلقي الأوامر وتنفيذها.
وهناك علاقة سببية قوية بين درجة جدارة الموظف، ومستوى الأداء الذي يحققه للشركة، ولبيان مدى أثر الجدارة الإدارية على الأرباح، قامت شركة أبحاث بدراسة استطلاعية على أفراد البيع في شركات عاملة في نفس المجال، فوجدت أن فريق المبيعات المتوسط الأداء، والذي تصل عمولة أفراده إلى 17 ألف دولار سنوياً، يحقق مبيعاتٍ سنويةً قيمتها 3 ملايين دولار، في حين أن فريق المبيعات خارق الأداء، الذي تصل عمولة أفراده السنوية إلى 40 ألف دولار، يحقق مبيعات سنوية قيمتها 17 مليون دولار، وهو ما يؤكد أهمية تنفيذ برنامج ناجح لتنمية الجدارة الوظيفية.
كيف نصل للجدارة الوظيفية؟
ثمة وسائل وطرق متنوعة من أجل بناء وتصميم نماذج الجدارة الوظيفية، تبدأ من الخطوات التمهيدية، التي تستوجب تحديد المؤسسة للمواقع والوظائف التي تحتاج إلى برامج تنمية الجدارة الوظيفية.
ثمة 3 طرق لتصميم نماذج الجدارة الوظيفية، تشمل:
- دراسة عينات من الجدارة الوظيفية المطلوبة، ويصلح هذا للوظائف القائمة ورفع كفاءة الموظفين الموجودين.
- منهج استعارة الخبراء والاستشاريين من خارج المؤسسة.
- التوقعات، ويصلح لاختيار وانتقاء المرشحين الجدد للوظائف الشاغرة.
كما أن هناك خطوات لتصميم برامج الجدارة الوظيفية، تتضمن:
- تقسيم مستويات الأداء إلى ضعيفة ومتوسطة وممتازة، ثم استبعاد المستوى الضعيف ثم المتوسط، وصولاً إلى الاكتفاء بعيّنة من ذوي الأداء الممتاز.
- جمع البيانات عن مواصفات جدارة أفراد العيّنة، من خلال عدة وسائل، بينها المقالات الشخصية والملاحظات، وجمع المعلومات ومعالجتها بشكل كمي ومعيار موضوعي.
- بناء نماذج الجدارة الوظيفية الخاصة بالشركة، تبعاً لنتائج البيانات السابقة، ما يسهم في تنفيذ خطط التدريب، وتحديد الاحتياجات النوعية والكمية من الموظفين، وتحديد معايير اختيار الموظفين الجدد.