محمد آل الشيخ
الثنائي الشيعي في لبنان، المتمثل في ميليشيا حزب الله وحركة أمل، يلعبان في الحراك الشعبي اللبناني لعبة في منتهى الخطورة، وهي خطرة على مستقبل الشيعة قبل أن تكون على اللحمة الوطنية، بإصرارهما على تحويل الحراك الشعبي إلى حراك طائفي، في حين أنه كان منذ البداية عابرًا للطوائف والمذاهب، بل عابرًا للمناطقية والأحزاب السياسية. من الواضح أن هذا الثنائي الشيعي كان يستمد قوته ونفوذه في الداخل اللبناني من الطائفية، وعندما شعر هذان المكونان من الشعب اللبناني أن الانتماء الطائفي لم يعد يحفل به اللبنانيون بجميع طوائفهم، بمن فيهم جزء كبير من الطائفة الشيعية نفسها، شعروا كما لم يشعروا من قبل بأنهم بدؤوا يفقدون قيادة السيطرة على طائفتهم التي كانت سر قوتهم، وأن بضاعتهم تلك لم يعد لها سوق في الحراك اللبناني.
إعادة الطائفية إلى ساحات التظاهرات بإحداث نوع من أنواع الشغب مغلف بهتافاتهم (شيعة، شيعة)، هي محاولة لاهثة لإعادة التماحك الطائفي، وإعادة مكونات الشعب اللبناني إلى مكوناته الطائفية، وإظهار الحراك بمظهر الصراع بين الطوائف، في حين أنه خلال الشهرين الماضيين كان حراكًا وطنيًّا صرفًا يتجاوز الانتماءات الطائفية إلى الانتماء للوطن الواحد بجميع طوائفه.
وغني عن القول إن سرَّ تنمُّر الشيعة يعود إلى (الدعم الإيراني) غير المحدود؛ فهو الذي أشعل المماحكات الطائفية، وجذّرها في لبنان؛ فقد حوّلها إلى واقع يتعايش معه بقية الطوائف مجبرين، غير أن السؤال الذي يجب أن يجيب عنه شيعة لبنان في تنمُّرهم على بقية الطوائف الأخرى: هل إيران اليوم، وبخاصة من الداخل، قادرة على دعمهم، وتمويلهم، كما كانت تفعل في الماضي في ظل الحصار الذي يخنقهم خنقًا، ويتزايد أثره يومًا بعد يوم؟.. إيران اليوم، وربما لسنوات قادمة، ستبقى مشغولة بنفسها، ومواجهة التحديات التي بدأت تطوقها داخليًّا من كل جانب، وهي في وضع قريب جدًّا للشرارة التي قضت على إمبراطورية الشاه، ولم ينفع حينها لا الجيش الشاهنشاهي، ولا محاولات السافاك وسجونه، حتى سقط في النهاية، وتربع الخميني على العرش الشاهنشاهي. ولو قرأ الثنائي الشيعي في لبنان الوضع الغاضب في إيران بموضوعية وعمق وتروٍّ لانتهز هذه الفرصة، وحاول أن يقيم جسور حوار وتفاهم مع بقية الطوائف، لا الإمعان في استفزازها، وجرها قسرًا إلى المواجهة الطائفية، التي لا يمكن ترويجها في زمن أصبح وعي الإنسان اللبناني فيه متجاوزًا التقوقع في شرنقة الطائفة أو المذهب.
كما أن اللبناني الشيعي يرى في شاشات التلفزيون ماذا يجري في العراق، وكيف تمرد العراقيون الشيعة على الإيرانيين، رغم أن العراقيين الشيعة الموالين لإيران قد فجروا في التعامل الدموي مع أشقائهم الشيعة في العراق، بأسلوب شرس، لا تقره جميع الشرائع والأديان، حتى أديان ما قبل الرسالات السماوية. وهذا - بلا شك - قد زاد من وعيهم، وإقناعهم بأن التعصب الطائفي لا يعترف بأخوة المذهب أو الطائفة؛ فالمسألة في التحليل الأخير مسألة نفوذ ومصالح، لا يكبحها مذهب، ولا يردعها انتماء طائفي.
كل ما أريد أن أقوله هنا: إن لجوء الثنائي الشيعي اللبناني لإثارة النعرات الطائفية هو دليل على الإفلاس، سيدفع ثمنه الأجيال القادمة من الشيعة في نهاية المطاف.
إلى اللقاء