إيمان عبدالعزيز الأحمدي
يعد التعليم الجامعي من أهم مرتكزات النهضة الحضارية للدول، فهو يؤدي دور مهماً في تطوير المجتمع وتنميته، وتوسيع آفاقه المعرفية والثقافية، وتعتبر قضية تمويل التعليم من بين أهم القضايا التي ينبغي أن ينشغل بها صناع القرار في كل دول العالم؛ ومن الضروري أن تكيف الجامعات نفسها كي تكون مستقلة مالياً ولديها الكفاية بما تقدمه من خدمات لغيرها وأن تكون لديها طريقة مناسبة لتدبير أموالها واستثمارها، ولعل من أهم السياسات التمويلية التي يتزايد الاهتمام بها، هي تفعيل الأوقاف العلمية.
والأوقاف العلمية كانت من أهم ما اعتنى به المسلمون في تاريخهم، فقد كان نظام الوقف على التعليم الأكثر فاعلية فيما تحقق من نهضة علمية وثقافية واسعة شهدها العالم الإسلامي في مؤسساته التعليمية المختلفة على مر العصور.
والوقف العلمي هو تبرع لصالح الجامعة، من أصحاب الأعمال الخيرية، أو كبار التجار، أو من الأفراد، ويتم استثمار هذا المبلغ من قبل الجامعة، بحيث تصب أرباح هذا الاستثمار في دعم البنيه التحتية للجامعة، أو برامجها، أو مختبراتها، أو دعم طلابها، وتعتبر الأوقاف العلمية مصدر تمويل ثابت ومستقر للجامعات، حيث تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لها.
وهذا ما يسعى إلى تحقيقه نظام الجامعات الجديد، الذي يهدف إلى تخفيض الكلفة التشغيلية للجامعات ودفعها إلى إيجاد مصادر تمويل جديدة، ويقلل من اعتمادها على ميزانية الدولة, وذلك من خلال برامج الأوقاف والسماح للجامعات بتأسيس الشركات الاستثمارية لتنمية مواردها المالية، والنظام الجديد سيطبق على ثلاث جامعات، ثم يتم توسيع نطاقه ليشمل جميع جامعات المملكة.
وقد اعتمدت بعض جامعات المملكة على نظام الوقف العلمي لدعم مشروعاتها، ومنها جامعة الملك سعود التي قامت بتأسيس الوقف العلمي للجامعة عام 2007م، ويتكون وقف الجامعة من عدة مشروعات هي أبراج الجامعة، وأبراج الجامعة الطبية وتمتلك الجامعة محفظة استثمارية عقارية وقفية يبلغ قيمتها 1.5 مليار دولار، تدعم أنشطة الجامعة، أما في جامعة البترول والمعادن فقد تم إنشاء صندوق للاستثمارات الوقفية في عام 2007م والذي شهد نموا ً مستمراً بمعدل 40 % وبلغت أصول محفظته النقدية مليار ريال سعودي، ووصلت استثماراته العقارية نحو 800 مليون ريال.
وقد أشارت الدراسات إلى أن أوقاف الجامعات الإسلامية ومنها الجامعات السعودية لا تصل إلى أقل جامعة من جامعات الدول المتقدمة، حيث تعد الأوقاف العلمية في الغرب من أضخم الأوقاف على مستوى العالم، فمثلاً يبلغ جحم الأوقاف العلمية في أمريكا وحدها 135 مليار دولار.. أما في بريطانيا فقيمة الوقف العلمي في عشر جامعات بريطانية حوالي 45 مليار دولار، وفي الجامعات الكندية حوالي 7 مليارات دولار، أما على مستوى الجامعات العالمية فتحتل جامعة هارفارد الأمريكية المرتبة الأولى، حيث يبلغ جحم الأوقاف فيها حوالي 35 مليار دولار، وتستخدم عوائد استثمار هذا الأوقاف في تغطية نفقات الجامعة، وتقديم مساعدات مالية للطلبة المتفوقين؛ ودفع رواتب أعضاء الهيئة التدريسية، وتمويل العديد من الكراسي العلمية، وصيانة مرافق الجامعة المختلفة.
وقد توصلت الجامعات الوقفية في الغرب إلى هذه المستويات العالية في التمويل نتيجة عدة عوامل منها: تنويع مصادر المحفظة الاستثمارية الوقفية، ففي تجربة جامعة هارفارد نجد أن المحفظة الاستثمارية لها التي تتوزع على 12 قطاعاً في الأسواق الأمريكية، البعض منها يتمتع بعوائد ثابتة كالسندات والأوراق المالية، وأخرى متغيرة كالسلع والعقارات والمنشآت الزراعية، كما أن من العوامل التي أسهمت في ازدهار الوقف العلمي في الغرب؛ إعطاء الشركات المساهمة في الوقف حوافز منها الإعفاء من الضرائب وغيرها، ولعل من أبرز عوامل نجاح الوقف في الجامعات الغربية استفادتها من التراكم التدريجي للخبرة الوقفية، الأمر الذي مكنها من تطوير علمي وعملي مستمر لمسائل الإدارة والاستثمار والتمويل، وبالتالي الحفاظ على استمرارية المشروعات التي يقوم عليها الوقف، والاستفادة منها في دعم أنشطة الجامعات.
ويمكن تطوير أوقاف الجامعات السعودية بالاستفادة من خبرة الجامعات العالمية في هذا المجال، مما يساعد في تطوير موارد الجامعات السعودية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي تماشياً مع ما جاء في نظام الجامعات الجديد الذي يؤكد على إيجاد بدائل متنوعة لتمويل الجامعات.
مراجع المقال:
1 - الجهني، حنان عطية الطوري (2016م) «دور أوقاف الجامعات السعودية في دعم بناء مجتمع المعرفة من وجهة نظر قيادات الوقف فيها»، مجلة العلوم التربوية والنفسية، المجلد/ العدد: مج17 ,ع4.
2 - النويران، ثامر علي، (2017م) «الوقف ودورة في دعم مؤسسات التعليم العالي: وقف جامعة الملك سعود نموذجاً»، مجلة الإدارة والقيادة الإسلامية، مج2،ع2.
3 - الشريف، محمد شريف بشير (2016م)، استثمار الوقف العلمي بالجامعات السعودية: صندوق وقف جامعة الملك فهد للبترول و المعادن نموذجا، مجلة بيت المشورة، المجلد/ العدد: ع4.
4 - الأمين، عدنان، (2009م) التمويل واستقلالية الإدارة في التعليم العالي، الفصل الرابع، نماذج عالمية في الوقفيات الجامعية، التقرير العربي الثاني للتّنمية الثقافية، بيروت: مؤسسة الفكر العربي.