زكية إبراهيم الحجي
على مدار التاريخ لم تشهد المنطقة العربية غزوًا دمويًا أشد بشاعة من غزو العثمانيين والحديث عن جرائمهم سلسلة لا ولن تنتهي.. فرغم مرور عشرات العقود على سقوط دولتهم.. وانتهاء حكمهم الذي كان نقطة سوداء في تاريخ البشرية إلا أن كوابيس وأحلام إعادة ما يُسمى بخلافة الدولة العثمانية ما زال يقضُّ مضجع «أردوغان» وما يقوم به اليوم من ممارسات في بعض الدول العربية كليبيا وسوريا ما هو إلا امتداد لما كان يقوم به أجداده فكلاهما يسير على نهج القمع والقتل والتغيير الديمغرافي..
ومن ينقّب في كتب التاريخ ستذهله الشواهد التي تشير إلى المشروع العثماني الأكثر خبثًا والقائم على تقديم العثمانيين أنفسهم باعتبارهم الخلفاء الفاتحين المسالمين الذين يعملون لمصلحة الشعوب، بينما هم أسوأ من جراد حطَّ على زرع ولم يتركه إلا هشيمًا. ما يزيد على أربعة قرون عانت شعوب المنطقة العربية من الجرائم والمذابح المجردة من كل معاني الأخلاق الإسلامية والإنسانية على يد الجيش الانكشاري لمن تسمى نفسها إمبراطورية الدولة العثمانية.. ناهيك عن الأطماع التوسعية التي كانت مرتبطة بنشر ثقافة الموت حتى بات عرشهم ملطخًا بدماء الأبرياء.. إن جرائم الاحتلال العثماني فضحها كثير من الكتاب والباحثين ونشرتها وثائق التاريخ وكشفت للعالم الوجه القبيح للممارسات العثمانية ضد شعوب الدول التي غزتها هذه الدولة المارقة.. بالعودة إلى تاريخ الدولة العثمانية بحق شعوب متعددة عانت من جرائم الاحتلال العثماني نلقي الضوء على أشنع جريمتين تركها لصوص الدولة العثمانية في الذاكرة. الأولى مجزرة «سفر برلك» والتي تشير إلى النفير العام والتأهب للحرب.. في هذه المجزرة ارتكب العثماني فخري باشا جريمته في المدينة المنورة عام 1915م وتعد هذه المجزرة من أبشع الجرائم العثمانية بعد مجزرة الدرعية، حيث حول العثمانيون المدينة المنورة إلى ثكنة عسكرية ودخل الجيش العثماني بقيادة فخري باشا وعاث في الأرض فسادًا حتى وصل به الأمر إلى أن يجفف المدينة المنورة من سكانها بالترحيل القسري أو القتل وكان ذلك إبان الحرب العالمية الأولى. أما المجزرة الثانية فهي مذابح الأرمن التي صُنفت بأنها إبادة جماعية وجريمة دولية في اتفاقية وافقت عليها الأمم المتحدة بالإجماع عام 1948م فخلال الحرب العالمية الأولى قامت السلطات العثمانية بإبادة المئات من سكان القرى الأرمينية في مجازر مروعة.. إبادة الشعب الأرمني حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها لكن أردوغان المتلاعب بالألفاظ كما هو معهود دأب على التنصل وعدم الاعتراف بما اقترفته يد العثمانيين من جرائم بشعة يندى لها الجبين اليوم يسعى أردوغان وريث العثمانيين تزييف تاريخ الدولة العثمانية البشع محاولاً وضعه في قالب ناصع البياض بالرغم من أنه يسير على خطاهم.. ويمارس ذات السياسة العثمانية بحق مكونات المنطقة العربية وهذا ما نشاهده في سوريا وليبيا.. إلا أن الجرائم لا تسقط بالتقادم.