خالد الربيعان
أما بعد: فيا قارئي العزيز -أعزك الله، وحقق لك مطلوبك- فهذا النثر الآتي إليك قد كلفني مشقة لأكتبه لك، وهو يُعنى بتعريف معنى «العالمية». فعندما يشارك النادي في دوري دولته فهو في مستوى «المحلية»، أما عندما يقارع أندية جيرانه في البطولات «الخليجية» فافهم أنه قد ترقى ووصل إلى «الإقليمية»!
وإذا وفَّقه الله وشارك -فقط- في الآسيوية فقد أعزه الله بمرتبة «القارية». أما إذا فاز بها! -وهو كرم من الله عظيم- فيتأهل للكأس المونديالية، بمشاركة أبطال القارات الست في الكرة الأرضية! وهو المستوى الأخير الذي لا تصل إليه إلا أندية مرموقة فعلاً لا قولاً، ناجحة فنيًّا وماليًّا، متميزة إنجازًا وتسويقًا واستثمارًا!
أن تفوز ببطولة نصف الأرض؛ فتجلس على عرش القارة الآسيوية! ثم تناجز «شيخ الأندية التونسية»، وتفوز عليه، ويكتب النادي المحترم على حساباته الرسمية: «استحق الهلال الفوز، ونحن في الخدمة»، فاعلم أن الهلال بعد أن أجهز على قارته قد غزا القارة الإفريقية! نصف الأرض! ثم كانت المباراة «التاريخية» أمام بطل أمريكا الجنوبية، معقل كرة القدم وفنونها وسحرها، فتفوّق عليه! وفوجئ العالم بأن الهلال هو مَن يمتلك المهارات «البرازيلية»!
شوط أول خرافي، ومباراة للتاريخ، بشهادة ملايين من المشاهدين من دول تتعجب عندما تعلمها! ازدحمت المقاهي في بلاد ومدن شتى، في القاهرة، طرابلس، الخرطوم، الجزائر، الرباط.. واكتست الهوية بالأزرق الهلالي. الموج امتد لكل البلاد العربية.. انتزعت كتيبة الـقروش الآهات من الصدور، وترددت كلمة «الله» مرارًا وتكرارًا على من أعطوا العالم درسًا في الجمال!
هذه هي العالمية، أن يشاهد المليارات عبر القارات شعار الهلال العريق، هذا هو -بحق- عين التسويق عندما يدافع المدافع ببسالة، ويهجم المهاجم بشراسة، ويعد المدرب قبل البطولة «أعدكم بأداء تفتخروا بفريقكم».. أن يلعب النادي بعراقة، وفخامة، مستوفيًا كل الشروط، حتى قميصه من صنعه، وباختياره، وبعلامته، شديدة الخصوصية!
العالمية أن تنتزع الآهات من جماهير خصومك في الدوري السعودي نفسه! فيقولون «والله اتحادي، أهلاوي، نصراوي.. فهذا بحق النادي الذي يستحق تشريف الكرة السعودية» في قبل نهائي مونديال الأندية. يكفي أن الطموح وصل لدرجة «الحلم»: سنلاعب ليفربول! سنصل للنهائي؟! أهذا حق؟ وإن لم يكن فهناك أمل بالبرونزية!
تحول الهلال إلى الريال! كان القمر في هذه الليلة «أحدب»، أي نصفه مضيئًا؛ فشعرنا بأنه تحول لهلال، ولكن بنور طاغٍ؛ فتظنه «بدرًا»!
أنا هلالي، وكثيرًا ما انتقدت الهلال نفسه وبشدة، ولكني أقول لك إن الهلال قد وصل لمرحلة «الاستواء»، مرحلة النضوج، لا نضوج الشباب، ولكن نضوج الرجال، وحكمة الشيوخ، مرتبة وصلها الأهلي المصري من قبل في 2006، فاز بالدوري والكأس والسوبر المصري والإفريقي، وشارك في كأس العالم للأندية، وحقق الفوز تلو الفوز، وعاد بالمركز الثالث والبرونزية العالمية. وكتب التاريخ أن محمد أبوتريكة هو أكثر لاعبي العالم مشاركة في المونديال العالمي!
وأمس كتب سالم الدوسري اسم الهلال في كتاب التاريخ بوصفه أول لاعب سعودي يسجل في دوري الأبطال، وكأس آسيا، ومونديال الشباب، وكأس العالم للمنتخبات، وكأس العالم للأندية!.. وكتب الهلال نفسه اسمه بقوة في سجلات الفيفا، وعناوين الصحف العالمية، بأداء مشرف، ونتيجة لولا سوء الحظ لما كانت كذلك! ولكن الرياضة «مكسب وخسارة»، وجهان لعملة واحدة.
واعلم أنه لا يسمى الرياضي رياضيًّا -بحق- إلا حينما يعرف كيف يبتسم في الخسارة، كما يفرح بالفوز! فالعبرة في النهاية بالجهد المبذول، لا بالنتائج.. وبكيف قاتلت بعزيمة، وشراسة، وبسالة، وبراعة.. حتى النفس الأخير؛ فيحييك خصمك ويحترمك.. هذه هي العالمية! وهي فعلاً «صعبة».. وفعلاً «قوية»!
مختتم!
رسالة ترد بها على «فئة معينة»:
لا تعْجَبَنَّ لحسودٍ راحَ ينُكِرُها
تَجَاهُلاً وهو عَيْن الحاذِق الفَهِمِ
قد تُنكِرُ العيْن ضَوْءَ الشمس من َرَمدٍ
ويُنكِرُ الفم طعم الماء من سَقَمِ
سالم الدوسري وهدف كلَّل شوطًا «تاريخيًّا» في الدور قبل النهائي بالمونديال العالمي