شريفة الشملان
تحت هذا العنوان بدون حرف النفي (لا) كتبت قبل أكثر من أربعين عامًا. كنا برحلة للأحساء؛ لنقدم ندوة تشاركني فيها الصديقة د. ثريا العريض والأستاذ خليل الفزيع ودكتور آخر أستاذ في جامعة الملك فيصل للأسف لا يحضرني اسمه الآن.
حضر لنا عدد قليل من الرجال، وربما سيدتان من عضوات جمعية الثقافة والفنون بالأحساء. كان هناك مطر. ولأن هناك مطر فكان الغياب، وكأن ذهابنا وتحضيرنا لا يهتم له أحد؛ فعاتبت المطر بذلك المقال. وها أنا اليوم أعود للمطر.
خف المطر ضحى، ثم أشرقت الشمس بهية. اليوم هو 16 ديسمبر. أنا في الشرقية، ولي أمنية: مكبرات صوت، ونقل حي مباشر لكل مسؤول أوقف التعليم هذا اليوم في كل مكان بالشرقية، لا أدري هل المسؤول يظن الشوارع أكثر أمنًا من المدارس، أم تراه يخشى من بحيرات الماء هنا وهناك؟ وهنا مربط الفرس.. وأي فرس تالله؟
ماذا لو كان هناك مطر؟ طبيعي أن يكون هناك مطر، وليس مستغربًا المطر في مثل هذا العام، وكل موسم يكتب صحفيون وغير صحفيين. لا نشك أن التقارير التي تصل للجهات المسؤولة كثيرة، ولكن «كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا»..
تغيَّرت الشوارع وسفلتتها، ومرت سنوات وتغيرت أكثر وأكثر، ومرت سنوات أخرى وصار هناك أنفاق فوق بعضها جسور، وجسور بلا أنفاق، وصارت الحركة انسيابية في بعض المناطق من الشرقية، خاصة الدمام والخُبر. أما الجبيل الصناعية فقد أُسست تأسيسًا حسنًا منذ البداية، وقصتها تصلح أنموذجًا للمدن، لكن لا مجال لبحثها الآن.
الغضب يؤلمني جدًّا منذ أن أصدر مدير تعليم المنطقة أمرًا بإيقاف الدراسة لهذا اليوم؛ لأن مطرًا أتى رزقًا، ساقه الله، فلا نحتاج لسقي الحدائق ولا أشجار الشوارع. والمطر أحسن شيء في العالم، وفيٌّ لوعده، لا يخلفه، سمح، كما قال عنه الشاعر العباسي أبو تمام: (ديمة سمحة القياد سكوب * مستغيث بها الثرى المكروب).
في جيناتنا حب كبير للمطر، وعشق أزلي، ينتقل من جيل لجيل. والمطر الآن كثرت مهماته: المطر صريح، وكاشف أغطية الفساد، يفضح أكثر أغطية مهندسي الطرق الذين ربما تخرجوا بالغش؛ فصمموا طرقًا وأنفاقًا وجسورًا دون أن يعوا مسألة المطر، وربما فساد المنفِّذين، وربما المشرفين والمتابعين.. إن المطر أحسن مشرف محايد، ونقي، ولا يطلب شيئًا ولا راتبًا. حدث ما حدث في جدة، وحُفظت القضية ضد المطر. ورغم أنه يأتي كل عام فلم تطارده النيابة العامة، وما مسكه عسكري.. لماذا؟ لأنه مبعوث رباني.. نعم، أنا غاضبة جدًّا، غاضبة لأن الأطفال بلا مدارس، والصغار بلا رياض أطفال، والأمهات عاملات.. وقد دفع بعضهم وبعضهن ثلث المدخول السنوي للعام الدراسي؛ كي يأمنوا على صغارهم هناك، يلعبون ويمرحون ويتعلمون، بينما الوالدان يعملان وينتجان بقلوب آمنة.
ولكن مدير التعليم قرر أن يبقوا في المنازل.. كيف يستطيع السيطرة على أطفال يبقون بلا مدارس وبلا تحصيل، وبدون وجود الوالدين على الأغلب؟ هذا تفسيره عنده.
لذا تمنيت فقط أن أضع محطة تلفزيونية متنقلة، تبث على مكاتبهم جميعًا.. لن أنسى أمانة الشرقية عمومًا؛ وسأبعث لها نصيبًا مضاعفًا، وأيضًا مهندسو الطرق وعبر الوزارة.
الصين دولة بها أكثر من مليار نسمة، حددوا النسل بطفل واحد، ورغم ذلك لا يمكن تعطيل الدراسة بسبب المطر.. ولا أكثر من أمطار الهند، ورغم ذلك المدارس تقام في ظل عريشة أو جدار، والكل يدرس.. الفقراء المعدمون والأغنياء. العلم للجميع.
في كل دول العالم، من شرقه لغربه، الأمطار موجودة دومًا، ولا يمكن أن نمنع التعليم بسبب المطر تارة، وبسبب الغبار تارة أخرى، فضلاً عن أيام أخرى، قد تضيع تحت أي مسمى.
فعلاً لست أتهم المطر؛ فأنا أحبه جدًّا..