د.صالح بن عبدالله بن حميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان، وبعد:
فهذه ترجمة لشيخنا الشيخ الصالح الزاهد محمد الصالح المطوع رحمه الله.
فقد أنعم الله علي بالتلقي عنه في سن الصغر، فقد كان الوالد -رحمه الله- حريصاً جداً على حفظ أوقاتنا، ومتابعتنا في أحوالنا، وشؤوننا، وخاصة فيما يتعلق بالعلم وتحصيله، فهو في هذا ذو عناية فائقة، وحرص متميز، رحمه الله وأحسن إليه.
ومن ذلك أنه وجهنا للدراسة على الشيخ محمد المطوع في مسجده، وهو المسجد المعروف باسمه (مسجد الحميدي)، وسوف يأتي شيء من التفصيل في ذلك.
وكان كلفنا الوالد -رحمه الله- بذلك وكنا صغاراً إخواني - عبدالرحمن، وعبدالعزيز، وأحمد، وأنا في المرحلة الابتدائية، والشيخ رحمه الله يعقد حلقاته صباحاً، وظهراً، وعصراً.
فكنا نحضر حلقة بعد العصر، وقد أدركناه على كبر رحمه الله، وقد كف بصره، فبدأت في حفظ القرآن الكريم عليه -رحمه الله-، فحفظت قدراً كبيراً، ولكنه لم يكن حفظاً متقناً لصغر السن، ولأن الشيخ لا يتابع المتابعة التي يحتاج إليها صغير السن لكبر سنه، وكثرة الطلاب، وبخاصة الصغار، كما قرأت عليه في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
وهذه ترجمه له -رحمه الله- مع ذكر ما يحضرني من بعض المواقف والانطباعات في تلك الدروس المباركة.
وهذه الترجمة مستفادة من جملة من المصادر منها: معجم أسر بريدة لمعالي الشيخ محمد العبودي، علماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبدالله البسام، وعلماء آل سليم وتلاميذهم للشيخ صالح العمري -رحمه الله-، وروضة الناظرين للشيخ محمد بن عثمان القاضي. إضافة إلى ما تختزنه الذاكرة عن الشيخ والدرس الفقهي.
ومما جاء في هذه المصادر:
من مشاهير أسرة (المطوع) الدواسر الشيخ محمد بن صالح المطوع، وكان يعرف بالحميدي -وهي تصغير محمد- ربما كان سبب ذلك أنه كان له آخر أو قريب منه اسمه محمد أكبر منه سناً.
وقالوا تعليقاً على ذلك:
الشيخ محمد بن صالح بن سليمان المطوع: غلب عليهم اسم المطوع لأن أحد أجداده كان إماماً في جامع الشماسية، ومن عادة أهل القصيم أنهم يطلقون اسم المطوع على إمام المسجد.
ولد المترجَم في مدينة بريدة عام 1312هـ، ونشأ نشأة صالحة منذ طفولته، فقرأ القران، وتعلم مبادئ الكتابة، فقد بصره عام 1380هـ، أبيض اللون، متوسط الشعر، طويل القامة، طلق الوجه، حج مراراً على الإبل وعلى السيارات.
وكان الشيخ عمر بن محمد بن سليم يؤم في المسجد الشهير بمسجد عودة ببريدة، فصار المترجم يصلي معه لقُرْبه من منزله، فرغب في القراءة على الشيخ عمر، فلازَمه وقرأ عليه، وقد أُعجِب به شيخه الشيخ عمر، وتفرس فيه النجابة والصلاح، فكان عند حسن ظنه به، وقد لازم مشايخه، وأخذ عنهم حتى عُدَّ من العلماء.
ولما بلغ الشيخ محمد المطوع سن الحلم، وصار يصلح للإمامة وأراد الشيخ عمر أن يسافر إلى إحدى الجهات، أمر المؤذن أن يبلغ الشيخ محمد الصالح المطوع أن يصلي بالجماعة نيابة عنه، وكان في الطلبة من هم أكبر منه سناً، فلما حضرت الصلاة أخبره بأمر الشيخ عمر وقدمه للصلاة، وكان بعض من هم أكبر منه سناً من الطلبة يطمعون في أن يطلب من أحدهم ذلك، ولكن كان هذا رأي الشيخ، فاستمر يخلفه في الصلاة كلما سافر، حتى نُقل الشيخ عمر من ذلك المسجد إلى المسجد الشهير بمسجد ناصر -وهو مسجد ناصر السيف-، فخلفه على الإمامة فيه، وصلى فيه قرابة خمسين سنه إلى أن توفى -رحمه الله- حتى أطلق اسم المسجد عليه، فيقال: مسجد محمد المطوع، أو (مسجد الحميدي) بتفخيم الميم كما هي في لهجة أهل القصيم.
جلس للطلبة في مسجده هذا، واستمر في التدريس مدة تزيد على أربعين سنة، قرأ عليه خلالها مئات الطلبة، فأخذوا عنه علمه، وسمته، وحسن تدينه.
ومن هؤلاء:
1- الشيخ فهد بن عبدالعزيز السعيد، قال: قرأت عليه ست عشرة سنة.
2- علي المحمد السكاكر.
3- صالح المحمد السكاكر.
4- عثمان المحمد العجلان.
5- عبدالله المحمد العجلان.
6- محمد العبيد العبدالمحسن.
7- نصار العلي النصار.
8- براك المنصور البرّاك.
9- نصيان الحمد النصيان.
10- علي الراشد الرقيبة.
11- صالح العبدالعزيز الجطيلي.
12عبدالعزيز البراهيم الخلف.
13- محمد الروق.
14- علي السحيمان.
15- عبدالرحمن العلي السحيمان.
16- عبدالعزيز العلي السحيمان.
17- الشيخ عبدالكريم العبدالرحمن الفدَّا.
18- عبدالرحمن الدغيثر.
19- محمد العبدالله أبا الخيل.
20- علي العبدالله المقبل.
21- الشيخ عبدالرحمن القفاري.
22- محمد المنصور الرجيعي.
23- الشيخ علي المحمد المطلق.
24- سليمان العلي البرّاك, مؤذن مسجد الشيخ محمد بن عمر بن سليم.
25- علي العبدالله الحواس, المدرس بمعهد إمام الدعوة.
26- علي السليمان الوهيبي.
27- محمد صالح الخليفة.
28- عبدالله المحمد الخليفة.
29- الشيخ سلطان سليمان العرفج.
30- مبارك آل راجح.
31- رشيد العبدالله الحميضي.
32- ابنه الشيخ عبدالله المحمد المطوع.
33- ابنه الشيخ عبدالرحمن المحمد المطوع.
34- الشيخ إبراهيم العبدالله الدباسي.
35- سعد المحمد المالك.
36- صالح العبدالرحمن الجمحان.
37- الشيخ عبدالعزيز البراهيم الدوسري.
38- علي المحمد السعيد.
39- صالح المحمد الغانم.
40- الشيخ صالح البراهيم البليهي.
41- الشيخ سليمان الصالح الربيش.
42- الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الجار الله.
43- علي العبدالله المهوس.
44- عبدالرحمن بن عبدالله بن حميد وإخوانه عبدالعزيز وأحمد وصالح.
وكان المترجم -رحمه الله- عالماً عابداً ورعاً متعففاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم.
والشيخ يركز في دروسه على العقيدة والحديث والوعظ والرقائق، وله عناية بكتب شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة.
ونفع الله به تلاميذه في صلاح حالهم، واستقامتهم، وتحصيلهم.
وقد ذكر الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي -رحمه الله- أنه كان قد قرأ في أول عهده بطلب العلم على الشيخ محمد الصالح المطوع فقال: قرأت على الشيخ محمد المطوع في مسجده بعد العشاء في التفسير والتوحيد، والفرائض، والفقه.
وكان المدرس والمرشد الواعظ فيه، وكان لمواعظه وقع في القلوب، وكان زاهد زمانه حتى كانوا يلقبونه بالفضيل لزهده وورعه، وكان يصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذا مكانة مرموقة، وكلمة مسموعة، وكان يناصح الولاة، وإذا أخذ في الوعظ لم يتمالك نفسه من البكاء ويُبْكي من حوله.
وكان كثير التلاوة والذكر لا يفتر لسانه منهما، لاسيما في آخر عمره، فقد تجرد للعبادة، ونفع الخلق، ولازم مسجده. ويسعى جاهداً في إصلاح ذات البين.
ومن ورعه أنه لا يقبل شيئاً من بيت المال، وعزف عن الوظائف، وعاش عيش الزهاد حتى وافاه أجله المحتوم مأسوفاً على فقده بعد أن أقعدته الشيخوخة في منزله.
وفي السنوات الأخيرة صار كبار الطلبة والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر يرجعون إليه في الملمات والنوائب، ويستعينون به، فكان خير معين لهم، وخير مدافع عنهم حتى كبر وضعف.
وكان يلهج بذكر مشايخه ويدعو لهم، ويخص الشيخ عمر بن سليم، حتى إن من حوله في المسجد ليسمع دعاءه لشيخه الشيخ عمر في كل يوم صباحاً ومساء، وكان يقول :(إن للشيخ عمر علي فضلا كبيرا، فبسببه وصلت إلى ما وصلت إليه).
وله في هذا قصة خلاصتها: أن والده صالح المطوع كان من تجار الإبل الذين يسافرون بالإبل إلى الشام ومصر، ولم يكن له معرفة بالعلم وأهله، ولا يقدر ذلك، وكان قد طلق والدة الشيخ محمد، وبقي الشيخ محمد عند والدته، فلم يلتفت إليه والده بشيء، وذات يوم بعد أن كبر الشيخ وبلغ محمد مبلغ الفتيان استدعاه أبوه، ليسافر معه إلى الشام ومصر مع الإبل، فما استطاع الولد الامتناع، وذهب مع والده مرغماً على ذلك، فلما انقطع عن الدرس -ولم يكن ذلك من عادته- افتقده الشيخ عمر فسأل عنه، فقيل له: أخذه والده معه إلى الشام، فذهب الشيخ عمر على الفور إلى الأمير عبدالله بن جلوي أمير القصيم -آنذاك- فأخبره بالأمر، وطلب منه إعادته، وقال للأمير إن والده قد تركه كل هذه المدة بدون نفقة أو رعاية، ولما اتجه إلى العلم أراد أن يستفيد منه في تجارته، ويضيع مستقبله في العلم، فما كان من الأمير عبدالله بن جلوي إلا أن لبى طلب الشيخ، وبعث إليه فارساً لحق به بعدما تجاوز بلدة الطرفية -أي مسافة خمسين كيلاً تقريباً-، فأعاده إلى شيخه وأمه، واستمر في طلب العلم، فكان في ذلك تخليص له من الضياع، ولذالك كان -رحمه الله- كلما ذكر هذه القصة دعا لشيخه، فكان يقول (أنقذني الله بالشيخ عمر من الجهل)، فرحمهما الله تعالى وعفا عنهما، ورحم علماء المسلمين وجميع أمواتهم.
توفي -رحمه الله- في يوم الأحد الموافق 21-3-1399هـ, وصلي عليه في الجامع الكبير ببريدة، وحضر عامة أهل بريدة وخاصتها للصلاة عليه، ودفن بمقبرة فلاجة في بريدة، ودعوا له وترحموا عليه، وحزنوا لوفاته رحمه الله.
وقد تولى دفنه الشيخ الورع الزاهد فهد بن عبدالمحسن العبيد، وبعد أن أنزله في قبره خلع العباءة (المشلح) الذي كان ملفوفا به -رحمه الله- كما هو المعتاد في المنطقة الوسطى وأجزاء من الجزيرة العربية أن يلف بالعباءة التي كان يلبسها أو بغيرها، ثم إن الشيخ لما نزع العباءة من جنازة الشيخ محمد -رحمه الله- رفعها أمام الناس ثم قال للمشيعين: أيها الناس: اعلموا أن الشيخ -رحمه الله- لم يورث في هذه الدنيا إلا هذه العباءة والعصا التي يسترشد بها في طريقه، إشارة إلى زهده، وورعه، وعفته.
ثم إن أبناء الشيخ محمد: عبدالله، وعبدالرحمن، وهما من طلبة العلم المعروفين، وأهل ديانة، وعلم، وفضل، وصلاح رآيا أن يتصدقا بهذه العباءة التي خلفها والدهم، فنظروا إلى من يتصف بالفقر وبالصلاح وبالقرب من والدهم، وهذا من ديانتهم، وفقههم، فذكروا فلاناً -لا أحب أذكر اسمه هنا -اسمه يحضرني- وهو من الملازمين لدروس الشيخ ويصلى خلفه في الصف الأول الصلوات الخمس كلها لا يكاد يتخلف إلا لعذر.
ودفعوها إليه وبعد ليلة أو ليلتين رأى بعض الصالحين رؤيا وهي أن الشيخ محمداً جاء إليه في المنام وقال له اذهب إلى ولديَّ عبدالله، وعبدالرحمن، وقل لهما إن العباءة قد وصلت. وهذا الرائي لا يعرف عن هذه العباءة شيئاً.
وقد رثاه بعض تلاميذه بمراثي أطنبوا فيها، واظهروا حزنهم وفقدهم للشيخ -رحمه الله-، ولا تخلوا بعض أبياتها من خلل في الوزن، وركاكة في المعنى، إلا أنها تظهر حزنهم على الشيخ -رحمه الله-، وأجزل له المثوبة، وأحسن إليهم على ما قدموا، ومن ذلك قصيدة: علي بن عبدالله الحواس يقول فيها:
مصاب دهاني في الفقيد محمد
فأهطل عيني بالدموع على الخد
وأقلق قلبي ذكر موت لشيخنا
فعزيت نفسي بالنبي محمد
فيا أيها الإخوان صبرا على الذي
يقدره الرحمن من صالح العبد
وكل الذي يأتي من الله نعمة
وخير كثير للعموم وللفرد
فحمداً لك اللهم في كل حالة
وشكراً كثيرا حقا للواحد الفرد
وصبرا لك اللهم من طارق القضا
وما قدر الرحمن يجري على العبد
ولا شك موت الشيخ خطب وإنه
مصاب لأهل الخير والدين والرشد
ونقص كبير للإسلام وأهله
وثلمة في الدين الحنيف على العبد
فمصيبة للإسلام بموت أهله
وبفقدهم يبقى على الرد والطهد
فنبكيه بالعينين والقلب محزن
وتبكيه أرض مع سماء ومسجد
ويبكيه ليل عند فقدان ذاته
كذاك نهار للفقيد على الفقد
له مجلس للعلم بالنور ساطع
تتوق له نفس تحن إلى الزهد
له حلق بالعلم تحفل بالملا
بطلاب علم في المساء وفي الغد
ووقت ظهر ووقت عصر ومغرب
وبعد العشا أوقات درس بمسجد
صبور على تلك المجالس دهره
مقيم عليها في الحرور وفي البرد
يقرر توحيد الإله على الملا
بإخلاص وصدق مع الواحد الفرد
له غيرة عظمى على الدين إذ وهى
وحلت به أوهام باغ ومفسد
ويبغض أهل الشر والخبث والخنا
وينكر باللسان والقلب واليد
محب لأهل الخير والدين والهدى
معاد لأهل الشر من كل ملحد
يناصر من يدعو إلى الله وحده
وعون له على الأثيم المعاند
مجانب للدنيا وأرباب أهلها
زهود بما فيه من مال وعسجد
ويعلم أن ما فيها فهو ذاهب
وليس بباق غير ما كان للغد
طموح لدار النعيم مؤبد
ومقام خير في الجنات مؤبد
له خلق كريم وحسن منطق
وحلم وسمت مع حياء مؤيد
يقوم إذا جن الظلام مصليا
بوقت نزول للإله الممجد
يناجي ربا يقول هل منكم سائل
وهل منكم تائب إلى الواحد الفرد
قيا حسنه إذا قام بالليل واقفا
بمحرابه يتلو ببيت ومسجد
يرتل آيات الإله بخشية
وخشعة قلب مع بكاء على الخد
فأسال ربي للفقيد بجنة
وروح وريحان مع الحور في الخلد
ورؤية وجه الله في دار فضله
وتسليمه وقت العشاء وفي الغد
وأسال ربي فضلا منه ومنة
بجمع لنا مع خاتم الرسل أحمد
ويجعل في أبنائه خير خالف
يقوم بنصر الله رغما لملحد
ويحيي به أعلام دين تهدمت
وسنه صاحب البر والرشد
وأختم نظمي بالصلاة مسلما
على الهاشمي المبعوث للخلق أحمد
بِعدِّ رمال الأرض والقطر كله
وما طار طير في السماء مغرد.
ومنها مرثية بقلم عبدالعزيز عبدالرحمن اليحيى يقول فيها:
تبكي القلوب على قطب فقدناه
نرجو من الله تعالى في الفردوس سكناه
شيخ غيور لدين الله ذو ورع
نور العبادة يبدو في محياه
نهاره ينقضي في العلم يبذله
وآخر الليل يبكي في مصلاه
رثاه من قبلنا محراب مسجده
وروضة العلم للطلاب تنعاه
فموته ثلمة في ديننا عظمت
لأنه من طراز قل نلقاه
ومن تلاميذ من زانت محافلهم
شعارهم في جميع الأمر تقواه
أل السليم لهم في العلم منزلة
وفي تلاميذه خيرا وجدناه
قد غرسوا غرس توحيد بأفئدة
هذا والغرس لا مال ولا جاه
ساروا على نهج من أحيا الإله
به معالم للهدى والناس قد تاهوا
تسربلت نجد ثوب العز مكتملا
بدعوة الشيخ إذ يدعو لمولاه
يا أيها الناس إن الله خالقكم
لا تعبدون بهذا الدين إلاه
فأنقذ الله أقطارا بدعوته
وسار ركب الهدى يدعو لعلياه
جزاهم الله عن إحسانهم نزلا
أكرم منازلهم في الخلد رباه
فيومه أحزن الأحباب كلهم
أما المنافق هذا ما تمناه
فمن علة إبراهيم يخلفه
ومن لنشر يسعى كمسعاه
ففي مصيبة خير الخلق موعظة
لنا العزاء وحكم الله نرضاه
من شاب في ديننا الإسلام مفرقه
يرجى له الخير في دنيا وأخراه
لو كان يفدى بأموال نقدمها
أو كان يفدى بأرواح فديناه
لكنه الموت يا ابن الموت كن حذراً
فالكل منا بلا شك سيلقاه
لا تهملن فإن العمر مرتهن
كم من عزيز رسول الموت أفناه
واعمل ليوم به الرحمن يجمعنا
وما عملنا بلا ظلم سنجزاه
أصابنا الهم وانفتت عزائمنا
والدمع قد زاد في الخدين مجراه
ثبته الله في لحد يحل به
والقبر قد ضمه والترب واراه
فطيب الله مثواه بجنته
بدار خلد بها حور تلقاه
يا ربنا اجبر مصاب المسلمين به
يا مالك الملك حقق ما رجوناه
صلاة ربي على المعصوم سيدنا
على مدى الدهر حتى يوم نلقاه
وأله والصحاب التابعين له
ومن أشادو لدين الله مبناه
ورثاه تلميذه الأستاذ إبراهيم بن عبدالله الصالح المديفر، فقال:
خطب له الألباب شاردة
بل إنها في عظيم الأمر في شجن
حبر خلا بعد أن ضاءت مشاعله
ستين عاما طريق الرشد والسنن
حيث اقتفى أثر الأسلاف إذ سلكوا
سبيل حق، فلم يكسل ولم يهن
محرابه بيته من حوله حلق
يروي ظماها على التنويع في الفطن
كم سار يدعو لتوحيد الإله على
بصيرة في نشاط العمر والوهن
وسنة المصطفى تتلى عليه لكي
تجلى حقيقتها في منطق حسن
حتى تخرج أشبال له عرفوا
مناهجه فغدوا حربا على الفتن
قد جَزَّأ الليل أثلاثا عبادته
تستغرق الثلث والثلثان للبدن
نهاره يخدم المولى بكل رضا
من طاعة الرب يرجو أجزل المنن
قد باع دنياه واستبقى بها عوضا
يلقاه مدخرا في شدة المحن
يحب في الله لا تغويه عاطفة
والبغض في الله منهاج بلا ثمن
ما مات من كان في أولاده خلف
يقفوا طريقته في المسلك الحسن
ما مات من علمه تجنى منافعه
تحيا به أمة القران والسنن
ما مات من ذكره لما يزل عطرا
قد طبق الأفق في شام وفي يمن
(محمد) اسمه والطوع في لقب
أفعاله حمدت في السر والعلن
سقاك ربي رحيقا مسكه عبق
من منهل في جنان الخلد أو عدن
صلاة ربي على الهادي لأمته
أضعاف ما غردت ورق على فنن.
رحم الله شيخنا ووالدينا ومشايخنا وجميع المسلمين إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
** **
وحرره- تلميذه
د. صالح بن عبدالله بن حميد - إمام وخطيب المسجد الحرام