عبدالوهاب الفايز
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وسمو ولي العهد، يحفظهما الله، دائمًا يؤكدان على أن عمل الحكومة مفتوح للمراجعة والتقييم إذا كان ذلك يخدم مصالح الناس ويدعم استقرار بلادنا، فالذين يعملون في الحكومة يجتهدون في قراراتهم وتوجهاتهم، وإذا اتضح لهم ضرورة المراجعة والتقييم لمبادراتنا ومشروعاتنا والإجراءات التي نتخذها، هنا لا صوت يعلو على صوت الحق، ولا مصلحة تقدم على مصلحة البلد.
في هذا المناخ الإيجابي للحراك الوطني، بين أيدينا موضوع حيوي ويرتبط باستقرارنا الاجتماعي وتماسك الجبهة الداخلية، ويرتبط بحيوية الأجهزة الحكومية ومدى استعدادها لمواكبة حقبة التحول الإيجابي الكبير لمجتمعنا.
هذا الموضوع المهم هو استقرار الوظائف القيادية في أعلى ووسط الجهاز الحكومي، فهذه ظلت لعقود تمر بحالة ثبات طويلة ومملة، ولم تعرف التغيير أو التدوير. هذا الوضع مع بدء تطبيق برامج الرؤية تبدل، حيث أدخلنا آليات جديدة أدت إلى تغير كبير في عملية التوظيف والاستغناء في الوظائف القيادية، وكأننا انتقلنا إلى حالة مناقضة تمامًا للأوضاع السابقة!
المراقب لأداء القطاع العام، ممن يدعم أهمية التوجه إلى تجديد دماء وقيادات القطاع العام، الآن يرى ضرورة المراجعة لضبط الجانب الإداري والآليات التي تحكم اختيار القيادات، كما ضبطنا الشق المالي، حيث وضعنا ضوابط لصرف الرواتب والمكافآت للقيادات في القطاع العام.
في الإطار العام.. نحن نخشى أن يؤدي هذا الوضع إلى جانبين سلبيين هما: إرباك أداء الأجهزة الحكومية بسبب (إرباك عملية التنفيذ) للمشروعات والبرامج الحكومية. كذلك هناك الجانب السلبي الأهم هو عدم تراكم التجربة والخبرة الفنية في عمل الأجهزة الحكومية.
طبعًا من حق القائد للجهاز الحكومي أن يعطى الفرصة لاستقطاب القيادات الرئيسة التي تتفق مع أسلوبه في القيادة، ولكن أن يتولى تغيير معظم القيادات فهذا قد تولد مشكله له ولهم وللبلد.
لماذا نحتاج التدخل الإيجابي لاحتواء تداعيات هذا الوضع؟
نحتاج المراجعة لأن الوضع القائم لاختيار قيادات الوظائف العليا والوسط غالبًا متروك لاجتهاد مديري إدارات الموارد البشرية، أو للشركات المتخصصة في توظيف القيادات. الذين يعملون بهذه الآلية عادة ينظرون إلى أمور تقنية محدودة ولا ينظرون إلى أدبيات وضرورات واعتبارات المصلحة العامة، وأهمية التوازنات الوطنية التي تحكم اختيار من يتولى (الوظيفة العامة).
أيضًا نحتاج التدخل لأن هناك البعد الاجتماعي والإِنساني. سرعة التدوير والتوظيف والاستغناء للقيادات يترك أثره السلبي على معنوياتهم، فقد يربك أولوياتهم ويربك حياتهم الأسرية، بالذات ممن يتم استقطابهم من وظائف مستقرة. هذا الوضع قد يؤدي إلى التخوف من الوظيفة العامة وبالتالي عدم الإقبال عليها، وهذا قد يحرمنا من كفاءات وطنية متميزة.
ولا ننسى أن هذا الوضع قد يؤثر في قدرة الأجهزة الحكومية لبناء (الصف الثاني) من القيادات، وهذا عامل مباشر سلبي على استقرار القطاع العام.
المبادرة لتجديد القيادات في القطاع العام توجه إيجابي، وأجزم أن أغلبنا يدعمه.. وحتى نحقق الإيجابيات التي نتطلع اليها، نحتاج الوقفة الجادة من الجهات السيادية (مجلسي الشورى والوزراء) للنظر في حوكمة اختيار القيادات في القطاع العام.
اختيار القيادات للحكومة يختلف عن القطاع الخاص، فهذا لديه الفسحة والمرونة والاعتبارات المحدودة بمصالحه، والتأثيرات السلبية والإيجابية محصورة بالكيان الخاص، لكن في القطاع العام الأثر يمتد سلبًا أو إيجابًا على البلد.
ربما الأفضل الذي يدعم توجهنا الإيجابي لتجديد الدماء القيادية في القطاع العام، ويضع هذا التوجه في الأطر الموضوعية والعلمية التي تستجيب لمصالحنا العليا، الأفضل تصميم برنامج وطني يتضمن آليات ومحددات لمن يشغل الوظائف القيادية، مثل ضرورة الحصول على شهادات ودورات متخصصة في القيادة وصنع السياسات، وهذا يحقق الحد الأدنى الضروري حتى نحافظ على كفاءة الأجهزة الحكومية.