رجاء العتيبي
ربما بدأنا طريقاً مدنياً يتيح لكل شخص أن يعمل بما يراه هو لا بما يراه غيره، طريقاً يضع الفرد مسؤولاً عن نفسه، لا مسؤولاً عن غيره، مرحلة لا وصاية لجماعة معينة على المجتمع، لا أحد يتحدث باسم المجتمع، ولا يحرسه، ولا يراقبه، ولا يحصي عليه حركاته وسكناته، سوى القوانين الرسمية التي تضع حدا للخطأ حسب حجمه وشكله ونوعه وتأثيره، وليس فردا ينصب نفسه حامي حمى الناس.
كلٌ يعمل على شاكلته، بحدود القوانين والأنظمة، ومن يتعداها تبرز له النيابة العامة بالأدلة والبراهين والتحقيق لينتهي به الأمر إلى محاكمة عادلة، تعطي لكل ذي حق حقه.
يبدو أن هذه الحياة هي الحياة الأسلم، لا مشاكل، ولا مناكفات، ولا تصنيف، ولا اصطفاف، ولا تحريض، تبدأ الأسرة يومها بحب وسلام، وتذهب لوجهتها هي وأبناؤها ويعودون ليرتاحوا بعد يوم حافل بالعمل والعلم، لا أحد يوجههم باتجاهات حزبية، ولا أحد يأخذ أبناءهم لمناطق الصراع، ولا أحد يشوه الحياة في نظرهم ليرتموا في حضنه.
الحياة أسهل مما نتوقع، وأبسط مما نعتقد، يكفي أن تستهل يومك متوكلاً على الله كالعصافير تذهب خماصاً وتعود شباعاً، حياة بلا عقد ولا نفسيات ولا صراعات، سلوك مستقل يدع الخلق للخالق، و(ينشغل) بنفسه، سلوك راقِ، لا يتدخل أحد فيما لا يعنيه، ولا يخطط تحت ضوء شمعة ضد أحد، لا حقد، لا حسد، لا بغض يستمر على ذلك حتى يأتيه اليقين، ليلقى الله بقلب سليم.
عندما تكون الحياة أكبر همك، يختل ناموس القدر في ذهنك، وتتصرف بعكس اتجاه السنة الكونية، وبعكس اتجاه القيم والمبادئ، تنافح وتكابر وتجادل وتصارع وتسفك الدماء، تعمل لغاية لا يهمك من أي وسيلة تحققها، وتنسى (حسنتك) في الآخرة.
الناس لا تنصاع لمثل هذه الحياة الجميلة والكريمة والمستقلة إلا بقوة النظام، النظام عندما يعي مثل هذه القيم، يكون حارسا أمينا لها، عندما يضع الاستراتيجيون في الدولة هذه المعاني، يمتثل لها الكل، وهكذا صارت القوانين الجديدة، ركزت الجهود ووحدت العمل فانتظم معها دقات (قلب الوطن) باتجاه واحد لا حدود له: إلى عنان السماء.
فاصلة: بعض من أغنية أبوس راسك يازمن
اخترت في الدنيا ثلاث: الستر وإنصاف وصلاح
وكرهت في الدنيا ثلاث لا، لا يمكن، ولن
وحبيت في الدنيا ثلاث: الفن وأمي والصباح
وحلفت ماخون ثلاث: أنتِ وجاري والوطن