يوجد لكل شخص أصدقاء كُثر، لكن لا شك أن القليل منهم هم الأقرب له من غيرهم. هذا هو حالي مع الشيخ محمد الناصر -رحمه الله-. فحياة الإنسان لا تقاس بالسنين فحسب، إنما تقاس بالأعمال والإنجازات، فكم مِنْ شخص قد عُمِّر طويلاً ولم يقدم شيئاً يُذكر، وكم مِن شاب قدم الكثير، وهذا هو حال الشيخ -رحمه الله-.
كنت استوطنت مدينة المجمعة مدة ثلاث سنوات، ولم يتسنَّ لي التعرف عليه خلال تلك الفترة، فساقه الله إليّ لأتعرف عليه في بلدتي أشيقر، فكانت بداية العلاقة مع الشيخ، وكانت معرفتي به عن طريق أحد أبناء عمومته، حين كنا في ضيافة أخي الفاضل الشيخ بدر بن عبدالله الناصر -وفقه الله-، وذلك منذ قرابة خمسة وعشرين عاماً.
في هذا المقال أحب أن أُورد ترجمة لهذا الصديق العزيز الذي افتقدت شخصه، وافتقدت طيبته وشهامته ونصحه، وافتقده قبل ذلك أهله والأعمال الخيرية، وكل محب لأهل الخير.. لملمت شتاتها مما أعرفه عنه، ومما نشر عنه، ومما لم ينشر -رحمه الله تعالى-.
نسبه ومولده:
هو الشيخ محمد ابن الشيخ عبدالكريم ابن الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد بن عبدالله بن ناصر بن علي ابن الشيخ محمد بن ناصر بن حماد بن شبانة بن محمد بن عبدالله بن مسند؛ فهو من عشيرة آل ناصر الذين هم من آل شبانة، ثم من آل أبي مسند، أحد أفخاذ آل محمد بن محمد بن علوي بن وهيب الوهيبي الحنظلي التميمي.
وُلد بتاريخ 17-4-1390هـ في مدينة المجمعة حيث سكنها آباؤه وأجداده بعد رحيلهم من أشيقر. والدته كريمة الشيخ عبدالله بن عثمان الدهش التويجري من قبيلة عنزة، أسأل الله أن يمتعها بالصحة والعافية على طاعته.
نشأته:
تربَّى وترعرع في أسرة علميّة معروفة بالخير والصلاح وبذل المعروف.. لها تاريخ حافل، ومجد باذخ في ذلك؛ فوالده الشيخ عبدالكريم (ت 1422هـ) -رحمه الله- من كتّاب الوثائق العدول الثقات المعتمدين في مدينة المجمعة، وخطه معروف عند القضاة، يعملون به، وهو من أشهر مأذوني الأنكحة في بلده وما جاورها في وقته، يُعرف في المجمعة بلقب المطوع تبعاً لأسرته حتى كاد يكون اسماً له؛ وألا يعرف إلا بذلك. ذكر لي ابنه مترجمنا أنه في أيام دراسته الجامعية وقبلها كان يأتي إلى منزل والده كبار السن من الحاضرة والبادية لكتابة وتوثيق عقودهم ومبايعاتهم ووصاياهم ونحوها، ويدور خلال هذه الجلسات رواية قصص وأخبار عن المعارك والغزوات التي شارك فيها كبار السن هؤلاء، وغيرها من المعلومات، خاصة التاريخية.. ويأتون بتفاصيل ومعلومات مهمة ونادرة، كثير منها لا يوجد في كتاب، فكان -رحمه الله- يتأسف ويتحسف على فواتها وعدم تدوينها؛ وذلك لعدم اهتمامه بها كثيراً في ذلك الوقت لصغر سنه، ولانشغاله بالدراسة الجامعية بعد ذلك، إلا أنه لاحقاً اهتم كثيراً بمثل ذلك، وحصّل روايات تاريخية كثيرة عن تاريخ بلدته وغيرها.
أما جدّه الشيخ عبدالله بن محمد الناصر (ت 1345هـ) -رحمه الله- فقد تولى الإمامة والخطابة في جامع بلد المجمعة الوحيد ذلك الوقت، وكذا جدّه الثاني الشيخ محمد بن عبدالله الناصر (ت 1340هـ) -رحمه الله- تولى الإمامة والخطابة في عدد من البلدان، كما تولى القضاء فترة قصيرة من الزمن، وقد وقّف مكتبته على طالب العلم من ذريّته.
كما أن عمّ مترجمنا وأعمام والده فيهم طلاب علم ومؤرخون. أما إخوة مترجمنا فأخوه الكبير الشيخ عبدالله يعمل قاضياً، والأستاذ عبدالعزيز يعمل معلماً، والأستاذ عبدالرحمن محاضر في جامعة المجمعة؛ فنشأ مترجمنا على سَنن آبائه وأسرته حيث توجه منذ نعومة أظفاره لطلب العلم؛ إذ أدخله والده في مدرسة الخالدية الابتدائية بالمجمعة، وتخرج فيها سنة 1401هـ، ثم التحق بالمعهد العلمي بالمجمعة أيضاً، فدرس في قسمه المتوسط، وحصّل شهادته سنة 1409هـ، ثم قسمه الثانوي، فحصل على شهادته سنة 1409هـ، ثم واصل تعليمه في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وتخرج فيها بتاريخ 12-5-1414هـ، وصار لديه تمكُّن من علم الفرائض؛ فكان أثناء دراسته يشرح لزملائه ما يتعلق بذلك.
ولديه حرص على الاستزادة من العلم والتطوير؛ فقبيل وفاته التحق بدبلوم محاماة في جامعة المجمعة، درس فيه شهرين، قد يزيدان قليلاً، وكان يدرس معه -كما أخبرني بنفسه- عدد من القضاة وغيرهم، وكان متفوقاً فيها.
من أعماله ومآثره:
1- بعد تخرجه عُيّن معلماً بتاريخ 22-6-1414هـ، وباشر عمله مدرساً في مدرسة البرزة الابتدائية التابعة لمحافظة المجمعة، فمديراً لها، ثم انتقل إلى المجمعة معلماً في متوسطة اليرموك بتاريخ 20-6-1416هـ، فوكيلاً لمدرسة الخالدية الابتدائية بتاريخ 17-4-1417هـ، ثم عيّن مديراً لمدرسة ابن القيم الابتدائية، وهو من باشر افتتاحها بتاريخ 27-4-1418هـ، وأطلق عليها هذا الاسم، وكتب مذكرة بذلك. ثم انتقل لإدارة التعليم بالمجمعة مشرفاً للتربية الإسلامية بتاريخ 17-6-1422هـ، وأخيراً عُيّن مديراً لوحدة تطوير المدارس بإدارة التربية والتعليم بالمجمعة إلى وفاته، وكانت له بصمات واقتراحات موفقة في أعماله، كان لها قبول عند المسؤولين؛ لأنها اختصرت عليهم كثيراً من الجهد والوقت.
2- كُلف بإقامة دورات تربوية صيفية لمعلمي الثقافة الإسلامية واللغة العربية في جمهورية مالي في الفترة من 19-5 إلى 6/7/1426هـ.
3- كانت بيننا أُخوَّة وصداقة، ولقاءات متعددة، ورافقته في عدد من الجولات والزيارات لغرض النزهة والاطلاع، وأحياناً لجمع المعلومات التاريخية وغيرها، وكان خلالها حريصاً على إفادتي تمام الإفادة؛ فيتصل أحياناً بكبار السن أو غيرهم من العارفين للتأكد من معلومة بعينها.
4- اتصف بأخلاق عالية، ومزايا عديدة، قلّ أن تجتمع في شخص.. فمن سماته التواضع، ولطف المعشر، وكرم النفس، والوفاء، وحب الخير للناس، وكان بشوش الوجه، مبتعدًا عما لا يعنيه، تأخذ دروساً من مجالسته في اللباقة وحُسن التعامل، فضلاً عن الفوائد العلمية والتاريخية، ولديه تجاربه الخاصة، فمع أنه في سن الشباب إلا أن لديه حكمة الشيوخ.. متأنٍ في أموره فلا يتسرع في الحكم واتخاذ القرار، يفكر ويستشير ويبادر في مجالات الخير دون تردد أو توانٍ.. وقد حصلت له مواقف وقصص في ذلك.
5- كان باراً بوالديه، واصلاً رحمه، يزور أقاربه القريبين والبعيدين باستمرار، حريصاً على اجتماع الكلمة، يسعى في اجتماع أسرته دائماً، وكان محباً للعلماء وطلاب العلم ولأهل الخير والصلاح، يستقبلهم ويفرح بمجيئهم، يشارك المجتمع في همومه ويسعى في الإصلاح بكل ما استطاع. من ذلك أنه كان يدل على بعض البيوت التي لديها فتيات بلغن سن الزواج.
6- له مبادرات خيّرة كثيرة، منها دوره البارز والكبير في تأسيس المستودع الخيري التابع لجمعية البرّ الخيرية بالمجمعة؛ إذ كان عضواً في جمعية البرّ هذه، وبعدها انتقل للعمل في المستودع الخيري الذي أصبح اليوم جمعية سواعد الخيرية. وشمل نشاطه مجالات خيرية متعددة؛ فصار يديره ويعمل فيه الساعات الطوال، لا يكل ولا يمل، ومعه عدد من العاملين المخلصين، يتتبع احتياجات المحتاجين، وينظم سير العمل فيه.. فسبحان مَن أعطاه هذه الهمة وهذه المبادرة. يقول رجل الأعمال الأستاذ عبدالله بن عبدالرحمن العقيل في كتابه (بصمة حياة - سيرة وأفكار وذكريات)، ط2، 1440هـ، ص137، عن متابعة العمل الخيري: «فالنّاس يعتقدون أن مهمّتهم انتهت عند إنجاز بناء المساجد، في حين أنها تحتاج إلى أعمال صيانة ونظافة وترميم بصفة دوريّة؛ لذا فإنّني أنشأتُ مشروع صيانة المساجد بالتّعاون مع (المستوْدع الخيري) في محافظة (المجمعة)، ولقيت هذه الفكرة الرّائدة التي كان صاحبها الشّيخ محمد عبدالكريم النّاصر -رحمه الله- استحساناً وقبولاً من الجميع».
7- كان باذلاً لعلمه ومعروفه، ويسعى في قضاء حوائج الناس البعيدين عنه، فضلاً عن القريبين منه؛ فقد عُرف عنه تتبُّعه الأسر المحتاجة؛ فيذهب إليهم للوقوف على وضعهم عن كثب، حتى أنه يذهب إلى بعض سكان البادية في خيامهم لتفقد احتياجاتهم، وتقديم المعونة لهم عن طريق جمعيات البر الخيرية، وعن طريق بعض المحسنين.
8- كان - رحمه الله - أنيس المجلس؛ فقد كانت لي معه لقاءات، ومناقشات، واتصالات، لا تخلو من فائدة تاريخية وأدبيّة، ونحوها، وكان حريصاً على مطالعة الكتب التاريخية، واقتناء ما يصب في اهتمامه منها، وهو متابع للإصدارات الجديدة التي تطرح في كل فنّ؛ فكان إذا سمع عن صدور كتاب يهمه لا يتوانى في الذهاب بنفسه للمكتبات التجارية في مدينة الرياض وغيرها سائلاً عنه، ومقتنيًا إياه، حتى كوّن مكتبة ثرية، تحتوي على أكثر من 7500 كتاب في مختلف المجالات والتخصصات. ومن حرصه عليها أوصى أهل بيته شفوياً بالاحتفاظ بها، وأن تبقى لأحفاده.
9- له مواقف في إصلاح ذات البَين، وكانت له كلمة مسموعة لصدق نيته وحسن أسلوبه، ولما جعله الله له من قبول ومحبة عند الناس. أخبرني أخوه الأستاذ عبدالعزيز أن المترجَم له سعى لإنهاء جفوة وتقاطع كان بين أخوين، امتد لسنوات، بسبب بعض الخلافات، فالتمّ بمسعاه شملهما بعد هذا التفرق، جزاه الله خير الجزاء على مسعاه الطيب هذا. كما أن له جهودًا أخرى في الإصلاح، منها الإصلاح بين الزوجين فيما يقع بينهما من خلافات، قد يؤدي استمرارها للانفصال وتشتت الأسرة. وأخبرني ابنه المهندس عبدالكريم بأن عدداً من المعزين فيه من أقارب وغيرهم أفصحوا له بأن والده كان المستشار الأسري الخاص لهم.
10- عندما التحق بدبلوم المحاماة سأله أهله -كما أخبرني ابنه عبدالكريم- عن سبب دخوله الدبلوم وهو كثير المشاغل، فقال: «الله يجعله رزقاً طيباً وخيراً لي، ولكن ليكن تفكيرنا أبعد من الرزق المحض فقط؛ عندكم المطلقات والأرامل يحتجن لمحامٍ يدافع عنهن في قضاياهن، ولا يجدن إلا بدفع مقابل، وليس معهن ما يكفي حاجتهن، فكيف يدفعن؟!». نسأل الله أن يكتب له الأجر بهذه النية النبيلة الصادقة.
11- بقيت الإشارة إلى أن أبي عبدالكريم ممن يستعين على قضاء حوائجه بالكتمان؛ فكان يقوم على قضاء حوائج أخواته بالكتمان التام؛ فلا يخبر إحداهن عن الأخرى، وله أيادٍ خيّرة في عدد من الأعمال الخيرية، من مساهمة في بناء مسجد ونحوه، وإنفاق على الفقراء والأرامل والأيتام، وكان في ذلك يعمل بمدلول حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه»، تقبّل الله منه عمله، وعظّم أجره ومثوبته.
من جهوده العلميّة:
1- عندما كنتُ أجمع مادة كتابي (العلماء والكتاب في أشيقر) استفدت منه فائدة جلّى، خاصة في ترجمة جدّه الثاني الشيخ محمد بن عبدالله بن ناصر؛ إذ كتب عنه ترجمة موسعة بخطه في أربع صفحات -رحمهما الله تعالى-.
2- كتب بعض المقالات، ونشرها في بعض الصحف، وهي امتداد لاهتمامه بهذا العلم، كما أن له مقالات أعدها وحررها ولم ينشرها.
3- كان حريصاً على توثيق المعلومات، وتصوير الأماكن من مواضع وآثار، وظواهر بديعة أو مستغربة. وقد أطلعني على ألبومات من تصويره، يعلق على كل صورة بمعلوماتها التي تخصها، ويعلق مرئياته حيالها.
4- كانت لديه فكرة تأليفه كتابًا خاصًّا بتاريخ أسرته، ولكنه فيما يظهر لم يشرع فيه، وكانت لديه أيضاً فكرة في تأليف ملخص في علم الفرائض، يبسّط فيه قواعده للجميع؛ وذلك لكثرة مَن يتصل به، ويسأله عن مسائل فيه، ولكنه لم يشرع في ذلك لكثرة مشاغله -رحمه الله-.
5- عندما سعى لإنهاء التقاطع الذي كان بين أخوين أخبرني أخوه الأستاذ عبدالعزيز أن المترجَم له عمل ملفاً كبيراً خاصاً بهذه الحادثة، جمع فيه ما يتعلق بالعفو وإصلاح ذات البَين، ورتّبه، وجعله على خطوات متسلسلة، يصلح أن يكون كتاباً يستفاد منه في هذا الشأن بعد حذف الأمور الخاصة التي فيه.
6- مع ضيق وقته، وكثرة أشغاله، وارتباطاته، لا يبخل في بذل جهده لتلبية طلب من أحد بما يستطيع؛ فقد عرضتُ على الأخ الباحث عبدالعزيز الدّريس، وهو يحقق كتاب (إقليم سدير في التاريخ) للشيخ زيد الفياض، أن يعرض تحقيقه على الشيخ محمد لمعرفتي بخبرته الواسعة بتاريخ سدير، ومدينة المجمعة على وجه الخصوص، فسلمني الأستاذ الدّريس نسخة من المسودة، أوصلتها له، وكان ذلك في أيام إجازة عيد الأضحى المبارك سنة 1434هـ، وراسلته في مطلع شهر محرم سنة 1435هـ قبيل وفاته، أستحثه على أن يركّز في المراجعة على ما يتعلق ببلد المجمعة وما جاورها؛ لمعرفتي بكثرة أشغاله، ولكن قدّر الله وفاته؛ فراسلت ابنه المهندس عبدالكريم -وفقه الله- بخصوص مصوّرة الكتاب؛ فبحث عنها ووجدها؛ فسلمني إياها؛ فرأيت المترجَم له قد بدأ في المراجعة، وقيد بعض الملحوظات المنهجية وغيرها بخطه بقلم الرصاص، وآخر تعليق له كان على ص27 -رحمه الله-.
7- لكونه محباً للتاريخ، ومطلعاً على الأخبار والأنساب، عارفاً بهما، فقد أخذ وكالة من ابن عمه الأستاذ مساعد ابن المؤرخ الشيخ عبدالرحمن الناصر -رحمهما الله- بشأن طباعة تاريخ والده المسمى (عنوان السعد والمجد فيما استظرف من أخبار الحجاز واليمن ونجد)، وكانت لجنة المئوية قررت طباعته سنة 1419هـ بعد أن حُقّق، ولكن هذا التاريخ لم يُطبع حتى الآن. كما أن مترجمنا راسل الشيخ حمد الجاسر، يطلب منه صورة رسالة أرسلها له المؤرخ عبدالرحمن، لها تعلق بتاريخه، فأجاب الجاسر مترجمنا برسالة مؤرخة في 13-2-1418هـ، يفيده بأنه فقدها.
عقبه:
تزوَّج المترجم له بأُم عبدالكريم، وهي كريمة الشيخ عثمان بن محمد آل شبانة التميمي -رحمه الله-، وقد خلّفت له أربعة أولاد، هم: عبدالكريم، وأحمد، وبدر، وعبدالله. كما خلفت ثلاث بنات، أسأل الله لهم التوفيق والسداد، وأن يصلحهم، ويجعلهم خير خلف لخير سلف.
وفاته:
كان على أتم الصحة، لا يشكو مرضاً. حضر اجتماعاً في المستودع الخيري بعد صلاة العشاء، ثم تناول عشاءه مع أولاده، وصلى وتره تلك الليلة، وفاضت روحه إلى بارئها قبل صلاة الفجر من يوم الخميس الموافق 18-1-1435هـ بسكتة قلبية، وله من العمر 45 عاماً. وقد صُلي عليه عصر يوم الخميس في الجامع الكبير بمدينة المجمعة، وحضر الصلاة عليه جمعٌ غفير من أهالي سدير وخارجها، وبكاه من يعرفه ومن لا يعرفه ممن سمع بأعماله وجهوده الخيرية، ولما له من سمعة طيبة وذكر حسن عند الناس، ودُفن في مقبرة المجمعة التي عند الفشخاء. رحمه الله تعالى برحمته الواسعة، ورفع درجته في عليين، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، هو وجميع موتانا وموتى المسلمين.
رثائيات فيه:
لا شك أن فَقْد أمثالة فاجعة؛ لما له من أثر بالغ في سُبل الخير، وسعيه في الإصلاح، وثقة الناس فيه، ومحبتهم له. وقد كتب عنه ورثاه عدد من معارفه وغيرهم بمقالات وكلمات وقصائد، بعضها نُشر في الصحف، وفي مواقع التواصل، أذكر من ذلك:
- مقال بعنوان (الشيخ محمد الناصر.. شمس جود كسفت) للدكتور خالد بن محمد الشبانة، مدير التعليم في محافظة شقراء حالياً، نُشر في صحيفة الرياض في 4-2-1435هـ، العدد 16602، ص26.
- مقال (محمد الناصر شيخ الخيّرين في المجمعة)، لأحمد بن عبدالعزيز الركبان، صحيفة الرياض، في 21-1-1435هـ، العدد 16590.
- مقال (محمد الناصر نعته الفضائل بدموع الأغنياء والفقراء) لفهد بن أحمد الصالح، صحيفة الرياض، في 5-2-1435هـ، العدد 16603.
- رثاه الشاعر سليمان بن إبراهيم الأمان، بقصيدة طويلة نختار منها هذه الأبيات:
من ذا نعزي فيك من ذا نتركُ
والناس كلهم لفقدك هجعُ
قد عمنا حزن لفقدك لم أرى
ميتاً له هذي الجموع تشيع
ولقد سألت النفس ما هذا الذي
جعل العباد لموته تتلوع
مالي أرى هذي الجموع تحاشدت
وتضاعفت فوق الذي يتوقع
ورجعت أبحث في سجلك برهةً
فرأيته الإحسانُ حقاً يرفع
دين وحلم والتواضع حلية
لا لم تكن بجمالها تتصنع
قد كان ينثرها الفؤاد لآلئا
تكسوك حباً في الإله يرصع
فعلمت أنك ما ملكت قلوبنا
وجعلتنا من هول موتك نفجع
إلا لأنك في حياتك مخلصٌ
لله في مرضاته تتطوع
وبذلت جهدك لم تكن متوانياً
في الخير غرسك باسق متفرع
لا لستُ فيك على الإله مزكياً
لكن شهادة من يرى أو يسمع
فجزاك ربي بالجنان كرامة
يعطيك فيها ما تشاء ويرفع
في القبر نم نوم العروس منعماً
روح وريحان وخير مترع
- وللشاعر سليمان الأمان في رثائه أيضاً هذه الأبيات:
ستبكيك أيتامٌ ويبكيك جائعٌ
ويبكيك من لوع الفراق حبيبُ
لقد كنت سمحاً فاضلاً متفضلاً
إلى كلّ خيرٍ سابق ومجيبُ
فأسكنك الرحمن فردوس جنة
وقبرك في جوف التراب رحيبُ
وأهلك بالسلوان داوى قلوبهم
وكان لهم بالخير جدُّ قريبُ
* أقدم شكري لأخيه الأستاذ عبدالعزيز، ولابنه المهندس عبدالكريم، اللذين زوَّداني ببعض المعلومات عنه.
** **
كتبه: عبدالله بن بسَّام البسيمي - الوشم - أشيقر