عبد الله باخشوين
** بين لغتك (الأم) ولغة (العلم) والمعرفة المستقبلية تحدَّث الدكتور عبدالعزيز السماري في (آخر ما توصل إليه العلم..!!) بطرح مميز، أشار فيه إلى: «ما يعاني منه كثير من أبناء المجتمع العربي من أمية معرفية.. جاءت نتيجة لتلقيهم (مفردات العلوم الحديثة) من خلال لغتهم الأم (العربية) دون أن يتمكنوا من تعلم لغة ثانية» من اللغات العالمية التي تطرح بها العلوم الحديثة مفرداتها ومصطلحاتها.. وأكد أننا «لن نصل إلى درجة أعلى من التطور ما لم تبدأ مرحلة تعليم (العلم) من خلال اللغة الأم (العربية)».. في إشارة إلى ضرورة القيام بـ(تعريب) المصطلحات العلمية الحديثة.
ومشكلة (التعريب) قديمة، تعود (جدية) طرحها إلى فترة (الخمسينيات والستينيات) مع صعود التيارات التي تبنت أطروحات (القومية العربية)، ونددت بـ(الغرب الاستعماري)، وأرادت أن تدير كل الرؤوس نحو (الشرق الماركسي) المناهض للاستعمار.. طبعًا في طرح مبتسر، تناسي كل مآسي هيمنة السوفييت على أوروبا (الشرقية)، والمآسي التي نتجت من مذابح الأتراك للأرمن، والدول التي أفرزتها تشيكوسلوفاكيا وغيرها من الدول الشرقية التي (تفككت) عنها قوميات ودول، معظمها - إن لم نقل جميعها - كانت على اتصال بلغة (العلوم) من خلال إجبارها على تعلم (اللغة الروسية).
بالنسبة للعرب أبرز المحاولات جاءت من (الجمهورية العربية السورية) التي تجاهلت الأعراق والديانات والقوميات، وفرضت (سياسة التعريب) التي كان أخطر وأسوأ قراراتها (تعريب) لغة تدريس (الطب)، الذي أثمر تخريج أعداد كبيرة جدًّا من (أطباء الأسنان). أما في مجالات الطب الأخرى فإن الأطباء الجيدين هم أولئك الذين درسوا في (فرنسا). فيما ظلت (مجامع اللغة العربية) التي تصدت لمهمة (تعريب المصطلحات العلمية) تراوح مكانها أمام سيل التطور العلمي الجارف في الغرب.
وظهر جليًّا أن (التعريب) لا قيمة عملية له إذا هو لم يدرج في المناهج الدراسية بشكل فوري.. أي أن تُحدَّث المناهج في كل عام؛ لتضم جديد العلم إلى مناهج الصفوف العليا والجامعية. وحتى بعد أن عمدت كثير من الدول لتدريس الإنجليزية والفرنسية في مدارسها ظلت هاتان اللغتان تدرَّسان على نحو (سطحي) كحال المملكة التي اضطرت إلى أن تنفق على الطلاب (المبتعثين) ما يوازي (نفقات) عام كامل حتى يتقنوا لغات دراستهم الإنجليزية في البلاد التي ذهبوا لنهل العلم منها.
كل هذا إضافة إلى إشكالات أخرى عديدة، أهمها الاستقدام الذي فرض أن تكون هناك (لغة ثالثة). ونحن في المملكة حالنا أهون من كثير من دول الخليج العربية التي تعاني من وجود كثافة جاليات غير عربية وغير متقدمة أو متطورة، كالبلوش والهنود والأفارقة والفرس.. وجميعهم قادمون من طبقات فقيرة وغير متعلمة.. وتجد أن لغة الحوار هي دمج بين العربية والإنجليزية، ومتفرقات ترسخت بتداولها من لغات أبناء الشعوب العاملة هناك. طبعًا هذا لم يحدث في المملكة؛ لأن أبناءها يشكِّلون الأكثرية.. وطرقنا في التعامل والحديث كفيلة بأن تجعل (الحجر) ينطق (عربيًّا).
لقد أخرجتنا (اللغة الثالثة) من دائرة العلوم، وأصبحنا نراها كعناوين لبرامج تلفزيون.. ونسمعها في الحوارات، وفي الأحاديث العامة.. في مزاوجة بين العربي والإنجليزي بشكل سطحي ومفتعل.. دون أن يكون الداعي له ذكر (مصطلح) لا تعرف معناه الدقيق بلغتك (الأم)، ولكن بطريقة تجعل السامع يقول: إنها مجرد افتعال ومجاراة للموضة في أسلوب ما يتحدث به الأولاد والبنات هذه الأيام..
أما على أيامنا فالعيال طلعوا قصيدة غزل، ما زلتُ أذكر مطلعها الذي يقول:- (بليز قفمي من شفاياك قرطوع).. حالة سريالية خاصة ومحيرة لشدة واقعيتها.