د.عبدالله بن موسى الطاير
كل شيء جائز في السياسة، وكل صوت يفرق في الانتخابات، ذلك ما يؤمن به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يخوض معركة إعادة انتخابه وسط تحديات ضخمة على الصعيد الداخلي.
غرّد الرئيس الأمريكي ترامب بأن «25 مليون مسيحي إنجيلي غير مسجلين في القوائم الانتخابية.. نحن نعمل بجد لتسجيلهم»، وقال البيت الأبيض إن الرئيس ترامب «تحدث إلى القساوسة حول كيفية استفادة المجتمعات التي يمثلونها من سياسات الرئيس، وهو أمر سنتابعه في الأشهر القليلة المقبلة.. سوف نسمع من الناخبين أنفسهم حول كيفية أداء المجتمعات الدينية في ظل هذا الرئيس».
وخاطب الرئيس تجمعاً انتخابياً في ولاية كارولاينا الشمالية بقوله: «ما فعلناه من أجلهم (الإنجيليين) والدين مهم للغاية.. كما تعلمون، الجانب الآخر (يقصد بقية الطوائف البروتستانتية)، لا أعتقد أنهم متدينون، إنهم ليسوا مؤمنين كبار بالدين، ويمكنني أن أخبركم بذلك». الرئيس يرفع عقيرته بخطاب ديني غريب على الأمريكيين، فهو يفاضل بين الطوائف الدينية، ويمتدح قوة العقيدة في نفوس الإنجيليين في مقابل الطرف المقابل المفرط في تعاليم المسيحية، إنه يستثير الحماس بالالتزام الديني.
أحد الإنجيليين الشباب في مقابلة إذاعية يمتدح الرئيس ترامب لأنه يبني جيشاً قوياً، ويعيد بناء الأمة الأمريكية، كما أنه يدعم مكانة الكنائس لأنه يذكر «الله»، ويستخدم عبارة «بارك الله فيكم بين الحين والآخر».
الرئيس ترامب لا يفصح عن انتمائه الديني، ولا يتحدث كثيرًا عن روحانيته الشخصية، إلا أن لديه العديد من أعضاء مجلس الوزراء الإنجيليين المعروفين الذين يرعون دراسة الكتاب المقدس في البيت الأبيض، والتي يُقال إنها الأولى منذ مائة عام، و»منهم نائب الرئيس مايك بينس ووزير التعليم بيتسي ديفوس».
توزيع الأديان حسب مراكز الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تعطي نحو 71 % للمسيحيين، بحيث يشكل الإنجيليون الكتلة الأكبر بين المسيحيين البروتستانت بنسبة تصل إلى 25 %، ويشكل الكاثوليك 20 %، وتتوزع النسبة الباقية على المذاهب والطوائف الأقل عدداً داخل المسيحية البروتستانتية والكاثوليكية.
وتؤكد تغريدة الرئيس ترامب أن إدارته تعمل على تسجيل 25 مليون ناخب إنجيلي غير مقيد في كشوفات الانتخابات تعني الأهمية السياسية لهذه الطائفة، وعزم الرئيس وفريقه على تفعيل كل الوسائل الممكنة لإعادة انتخابه لفترة ثانية، وهو فعلاً الأقرب، وبخاصة إذا سلم من المحاكمة البرلمانية، وغالباً سيسلم لأن الهيمنة في مجلس الشيوخ للجمهوريين، إذا لم يتخلوا عنه في اللحظة الأخيرة، كما فعلوا مع نيكسون.
لماذا كل هذه الجلبة حول الإنجيليين، أو السلفيين المسيحيين في أمريكا؟ بماذا يمتازون عن بقية المسيحيين البروتستانت؟
يذكر جون غريين مؤلف كتاب «حروب الثقافة والدين» أن الإنجيليين يؤمنون بأن المسيح (عليه السلام) جاء لإنقاذ البشرية ويمتازون عن غيرهم من المسيحيين بأربعة معتقدات جوهرية، هي أولاً: أن الكتاب المقدس كلام الله ومنزه عن كل خطأ، واعتقادهم الثاني هو أن الطريقة الوحيدة للخلاص (خلاص كل البشرية) هي الإيمان بيسوع المسيح أي أن الدين عند الله المسيحية. والثالث، والأكثر شهرة، هو فكرة أن الأفراد يجب أن يقبلوا الخلاص لأنفسهم، والاعتقاد الأساسي الرابع للإنجيليين هو الحاجة إلى التبشير ونشر الإنجيل بين المسيحيين وغيرهم أي (الدعوة إلى المسيحية).
البروتستانت الأساسيون الذين يمثلون نحو 15 % الذين وصفهم الرئيس ترامب بأنهم غير متدينين لديهم وجهة نظر مختلفة. فهم يقرأون الكتاب المقدس، ليس باعتباره كلام الله، وإنما وثيقة تاريخية، فيها كلام الله والكثير من الحقائق، «ولكن يجب تفسير ذلك في كل عصر من قبل الأفراد من ذلك الوقت والمكان». بعض البروتستانت الرئيسيين يعتقدون أن هناك طرقًا أخرى للإيمان، بمعنى أنهم لا يرون أن الدين عند الله المسيحية. ولذلك فالبروتستانت الرئيسيون أقل اهتمامًا إلى حد ما بالتبشير من الإنجيليين. إنهم يؤمنون بمشاركة معتقداتهم مع الآخرين، ولكن ليس لأغراض تحويلهم عن معتقداتهم.
الدستور الأمريكي لا يعطي الدين أهمية تذكر وينص على أنه «لا يجوز للكونغرس إصدار قانون يحترم إنشاء الدين، أو يحظر ممارسة ذلك»، لكن ممارسة الرئيس وفريقه ترسل رسالة مغايرة عند البعض.
أمريكا تتغير من الداخل بشكل عميق لا يدركه من يتفاعل مع عموميات المشهد، وهي تزداد انغلاقاً وفقاً لمفهوم العولمة، ولكنها قد تتحول مع هذا التوجه الذي يرى أن الدين عند الله هو المسيحية لا غير، إلى دولة (دعوة)، تقسم العالم إلى فسطاطين دار مسيحية ودار كفر.