د. محمد عبدالله الخازم
شاهدتُ بعض المقاطع حول اعتزال أحد اللاعبين مؤخرًا، وقد شارك في مباراة الاعتزال زملاؤه القدامى، ولاحظت زيادة أوزان أولئك اللاعبين، وهي ملاحظة أثارها كذلك أحدهم في تويتر.
السؤال هو: لماذا لم تكن الرياضة جزءًا من حياتهم؟ لماذا توقفوا عن النشاط الرياضي؛ وترهلت أجسامهم بذلك الشكل؟ هل هذه الظاهرة تخص اللاعبين فقط؟
الدكتور يقضي سنين في الدراسات العليا، وجل ما يتعلمه هو التفكير الناقد؛ لكي يكون باحثًا جيدًا. ينتهي من الدكتوراه، ويحصل على الوظيفة، ويختفي العقل النقدي، ويعود لأجواء «الهياط» والثرثرة الاجتماعية دون تحليل ونقد ومنطق موضوعي.
البروفيسور يقضي عمره في البحث العلمي بحثًا عن الترقيات، ويشرف على طلاب دراسات عليا، حتى ليخيل إليك أنه سمكة بحرها المراجع العلمية والإحصائيات والبحوث. سلِّمه منصبًا؛ فيعتقد أنه أصبح يعرف كل شيء؛ فيتوقف عن القراءة في المجال الذي يديره، ويتوقف عن تعلم مهارات تناسب موقعه، وينسى منطق التفكير الناقد وبناء القرارات وفق معطيات موضوعية وإحصائية وغيرها. ينسى كل ذلك؛ فيتحول إلى دكتاتور قابع للتفكير الذي قد ينتجه الآخرون.
العسكري ينتظم في برنامج لياقي يناسب مهامه، وهرولة كل صباح، وانضباطية.. وما إن يتقاعد حتى يصبح مثل اللاعبين القدامى؛ يزداد الوزن؛ وتترهل العضلات.
الطبيب يقضي سبع سنوات طب، ثم أكثر منها في التخصص، ويتعلم في الغرب الانضباطية والعمل مع فريق، وبعد أن يعود يتقاعس عن اتباع نظام غذائي يجعله قدوة للآخرين، ويستهوي استراحات المعسل والشيشة وأكل المندي والحنيذ..
المسؤول ينادي بالقيم، ويشرح أسس الإدارة الحديثة وتقدير العاملين قبل استلام المنصب، وينسى كل ذلك بعد أن يصبح في السلطة، ويتحول إلى مغرور؛ لا يستمع لأحد، ولا يطبِّق أسس التعامل الخلاق مع الفريق.
إنه سؤال جوهري: لماذا لا يتحول ما تعلمناه أو مارسناه في مرحلة ما من عمرنا إلى سلوك دائم؟ هل نحن شعب لا يحب الجدية والمثابرة والنظام الدائم؟ هل هذا أحد أسباب تأخُّرنا، المتمثل في أننا لا نستمر في تطبيق ما تعلَّمناه أو علَّمناه من إيجابيات في حياتنا في فترة معينة؟ هل هو عدم انضباطية سلوكياتنا، وميلنا نحو «اللا التزام»؟ هل نحن نفعيون جدًّا؛ فيتوقف ما نعمله من سلوكيات إيجابية بعد الحصول على المنفعة المطلوبة؟ يتوقف اللاعب عن ممارسة الرياضة؛ لأنه لم يعد يحصل على راتب.. يتوقف الطبيب عن ممارسة السلوكيات الغذائية والصحية السليمة؛ لأنه لم يعد يخشى تقييم المشرف واختبارات البورد.. يتوقف صاحب المنصب القيادي عن ممارسة العمل وفق معطيات علمية؛ لأنه لا يوجد مَن يجبره على قراءة الأوراق العلمية وتحكيمها ونقدها كما يجب.. يتوقف حامل الدكتوراه عن تطبيق معايير التفكير النقدي الذي تعلَّمه؛ لأنه حصل على الشهادة الكرتونية، وبَرْوَزَها، ووضعها في صدر مجلسه أو مكتبه..
زيادة أوزان اللاعبين القدامى بشكل مزعج، وكأنهم ليسوا رياضيين، مجرد نموذج لعدم تحوُّل ما نتعلمه أو ما نطبقه في مرحلة ما إلى سلوك دائم؛ فكيف يمكن غرس الاستمرارية في تطبيق السلوك الحسن في حياتنا، أيًّا كان: رياضيًّا، علميًّا، ثقافيًّا، اجتماعيًّا.. إلخ؟