د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في مدينة حوطة سدير ذلك الفيلق النجدي من العقول الجديرة، وتلك المدينة المبصرة التي عانقتها الأفلاك فأبرمتْ عقوداً مع (الأهلّة لتستكشف المواقيت وتحتضن مرصداً فلكياً يسامرُ عطارد والزُهرة ويحاكي (ناسا) في بعض قياساتها ونِتاجها) فكانت هناك في حوطة سدير الوشائج العلمية والدعم الاجتماعي المشهود الذي نتمنى له مزيداً من التألق؛ وحيث النفوس النبيلة هناك التي أبت إلا أن تزاحم قطوف أهلها، وحيث الوعي المتفوّق بأن الثقافة الموسوعية مطلب ملح من أجل تمهيد الغراس التنموي، وتسويق المنتج المحلي المعرفي بكافة مشاربه وأطيافه وصولاً إلى الإعلان الواضح عن الانتماء للوطن الكبير؛ وتأسيساً على أن الثقافة دعم مجتمعي من شأنها التأثير ليس في خلصاء المثقفين وأصحاب الصناعة القولية والمكتوبة فحسب؛ بل في دوافع الناس عامة، وميولهم وتصوراتهم وشغفهم واهتماماتهم، وحيث الربط المبهر بين الطبيعة الجغرافية هناك، والموارد البشرية المحلية الذكية لترقية المعرفة ولتصدير الثقافة، ولأن الحديث عن التقارب والمقارنات يتصدّر في تلك المدينة القادمة إلى سدة الوعي الكامل فقد حازتْ منه (ديوانية النصار الثقافية) في حوطة سدير القدح المُعَلّى فهي هناك منارة تنويرية منذ أكثر من عشر سنوات (تأسستْ عام 1430) وأسهمتْ في تتويج الحراك الثقافي ببرامج فاعلة مؤثِّرة ولقاءات محفزة ملأى بالخبرات، مع إرث تراثي عريق بدا في كل زوايا الديوانية الثقافية، وخصصتْ الديوانية حيزاً كبيراً مجزياً لتعزيز الأعمال والمبادرات المجتمعية واستدامتها، وقد وصل نشاط الديوانية إلى تقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني في حوطة سدير وما جاورها كما كان للمعرفة الأكاديمية علائق متينة مع الديوانية الثقافية المثقفة وتمثَّل ذلك في عقول جامعة المجمعة من أساتذتها الذين امتاحتْ الديوانية من ثقافتهم وتلقوا من فيض مشاركتهم لها كمنبر ثقافي في علياء إقليم سدير وإحدى منصات صناعة الثقافة بمفهومها الشامل هناك، وفي ذاكرتي الخاصة ذكرى جميلة حين زيارتي لديوانية النصار الثقافية في حوطة سدير بدعوة كريمة من مؤسسي الديوانية أبناء وبنات الشيخ عبدالعزيز بن سليمان النصار -رحمه الله - في الثاني من هذا الشهر (ربيع الآخر) لحضور لقاء ثقافي تجلتْ براعة ديوانية النصار ومجلس إدارتها في انتقاء موضوعه (دور المرأة في التنمية) والمتحدثة سمو الأميرة نوف بنت فيصل بن تركي آل سعود رئيسة جمعية شباب اغد فكانت مسائية مغدقة بكثافة الحاضرات أبدعتْ سمو المتحدثة في الاستدلالات، ورصد المواقف الإيجابية للمرأة السعودية، ورصد مواقع المشاركة التي تشرق من خلالها؛ وأخذتْ ثقافة التحفيز والثقة والتفاؤل والإيجابية مقاماً عالياً في حديث سموها، واحتضنتْ الديوانية تلك الليلة نشاطاً محلياً راقياً للأسر المنتجة تحت مظلة جمعية (نماء) ولا شك أن أهداف الديوانية وافرة المقاصد في الشأن الثقافي والاجتماعي وفق ما أعلنته لي أروقتها النامية التي دشنتْ منصة جديدة لتحتضن شموس مجتمع سدير وفكر نسائها ومواهبهن, وتلتقط كل عقل جدير وثّاب.
ولما أن تجربة تأسيس الديوانية تمت باقتدار بجهود عائلية موفقة بارزة وبإشراف ممنهج رصين فإن الدعم التأسيسي لمنصات التنوير الثقافية المجتمعية في المدن مطلب حضاري حبذا أن تخصص له وزارة الثقافة متكأ إستراتيجياً ببرامج ممنهجة تمنح تلك المنشآت حرية في الإبداع والمنافسة؛ فالساحة الثقافية اليوم مفتوحة أمام جميع الفئات لاستثمار واقع مجتمعاتها المحيطة، وأن يكون التعامل مع واقع الثقافة احترافاً فعودة الأجيال المثقفة إلى واجهة المجتمعات في المدن خاصة البعيدة عن الأندية الثقافية والأدبية تحتاج إلى محفز من الذات الرسمية، ومن الذات المجتمعية، وديوانية النصار الثقافية مثال جدير بالاحتذاء في التجربة ومراحل الانتقال الممنهج!
بوح الختام،،
الثقافة عطر العقول الفواح كما الهواء!