حمّاد السالمي
إن آخر تقليعات السياسة التركية في المنطقة بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسه قردوغان؛ هي الاتفاق المضحك بين تركية وحكومة الوفاق الليبية، لاستخدام مياه شرق المتوسط، وكأن حكومة الوفاق هي الممثل الوحيد للشعب الليبي، وكأن المشكل الليبي انتهى؛ وأصبح هناك دولة معترف بها دوليًا من حقها أن تتصرف وتبرم معاهدات ملزمة لهذا الشعب، وكأن لا وجود لدول أخرى مشاطئة في هذه البقعة من العالم غير تركية وليبيا، فلا مصر موجودة، ولا اليونان وقبرص وسورية ولبنان وفلسطين وإسرائيل، عوضًا عن دول أخرى مثل فرنسا وإيطاليا، وقوى لها مصالح وارتباطات مع الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، فهذه مياه دولية تحكمها معاهدات دولية، إضافة إلى أنها اليوم محط أنظار العالم، لما تمر به من أوضاع سياسية وعسكرية متأزمة للغاية.
هذا التصرف القردوغاني الأحمق؛ يذكرنا بحملته الشعواء على المملكة العربية السعودية، والمتاجرة بدم مواطن سعودي في أسواق النخاسة العالمية، ثم هزيمته وانكفاؤه لمواجهة مواقف الدول الأوروبية وأمريكا ضده، ويذكرنا بهرولته نحو السودان أيام حكم البشير للاستيلاء على جزيرة سودانية في الطرف المواجه للسعودية من غربي البحر الأحمر، وإنشاء قاعدة عسكرية هناك كما فعل في قطر، لكن ما إن جاءت قيادة سودانية عربية حرة؛ حتى تجرع سم الهزيمة التي اعتاد عليها هو وأجداده من قبل، ويذكرنا كذلك بهزيمته في (ينبوع الدم) الذي فتحه على أكراد شمالي سورية، ثم هزم وتفرغ للشمال السوري المنكوب، من أجل أن يتقاسم الجغرافيا والنفوذ والنفط مع الإيرانيين المحتلين، وحتى يتحكم في البقايا الإرهابية لداعش والنصرة، ويوجههم، حيث يريد، لتخريب وتمزيق الأقطار العربية.
إن المذكرة الموقعة بين تركية وحكومة الوفاق في ليبيا؛ ما هي إلا وسيلة لفتح خطوط الإمداد العسكري والبشري من تركية إلى ليبيا، بهدف دعم الجماعات الإرهابية هناك، وإقامة كيان إخواني إرهابي بجوار مصر، للضغط عليها، وتحقيق حلم الخلافة الفاسدة التي يعمل قردوغان ومشايخ الإخوان من أجلها على حساب المجتمعات العربية في إفريقية وآسيا.
إن هزيمة قردوغان في مذكرة التفاهم مع حكومة السراج بشأن شرقي البحر الأبيض المتوسط قريبة جدًا؛ فها هي أصوات الزعامات الليبية الحرة ترتفع منددة ومعارضة، وها هي مصر واليونان والدول المشاطئة؛ تتحرك لإفشال المخطط التركي العدواني انطلاقًا من طرابلس الغرب الممزقة.. وها هي دول العالم تنطلق من هيئة الأمم المتحدة لإعلان هزيمة جديدة لقردوغان خليفة الإخوان المفسدين. اليونان طردت سفير وفاق السراج، ووزير خارجية الوفاق نفسه؛ حذر وتنبأ بأن هذه الهرولة مع تركية سوف تنهي حكومة الوفاق، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي؛ حذر وقال: بأن هذه المذكرة تشكل خطورة على الدولة الليبية ومستقبلها وأمنها، وأنها تستبيح أراضي الدولة الليبية وأجواءها وموانئها ومياهها الإقليمية من قبل الجيش التركي، ويترتب على هذه المذكرة؛ احتلال تركي لأراضي ليبيا، وانتهاك سيادتها، ثم وجه خطابًا إلى الأمم المتحدة يمثل وجهة نظر الشعب الليبي.
يا لها من هزائم بعضها فوق بعض، تلاحق الأتراك ماضيًا وحاضرًا. يبدو أن قردوغان لا يقرأ تاريخ أجداده المحتلين، وإن قرأ فهو لا يتعلم.. إن تركية عبر تاريخها؛ هي الدولة الوحيدة التي منيت بهزائم عسكرية كبيرة، وفي تاريخها الحديث خلال القرن التاسع عشر؛ خسرت تركية ثلاث حروب ضد روسيا. الأولى سنة 1812م، والثانية سنة 1829م، والثالثة سنة 1878م. وحصل اليونانيون على استقلالهم بعدما أوقعوا بتركية هزيمة عسكرية نكراء سنة 1827م، وأحرز المصريون انتصارات عسكرية ضد تركية سنة 1832م، و1839م، 1840م. ثم إن تركية خسرت ما بين 1912م و1913م معارك ضد إيطاليا واليونان وصربيا وبلغاريا وألبانيا. وفي الحرب العالمية الأولى؛ انضمت تركية إلى قوات المحور، واشتركت في هزيمة ألمانيا، فاقدة بذلك كل إمبراطوريتها. وكان الأتراك قد تلقوا هزائم شنيعة في اليمن، وجازان، وعسير، وتربة، وأنحاء من نجد. وأذاقهم العرب في تلك الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى الأمرين، حتى خرجوا من جزيرة العرب غير مأسوف عليهم. نصر وحيد هزيل حققته تركية خلال هذه الفترة؛ كان ضد اليونان سنة 1922م، وعلى ضوئه نشأ كيان قبرص التركية.
إذن.. هي هزائم تترى سياسية واقتصادية وعسكرية تلاحق قردوغان وحزبه خارجيًا. أما الداخل فحدث ولا حرج. إن رئيس وقف (الفرقان) التركي الشيخ (ألب أرسلان كويتول)؛ يصف أوضاع الداخل التركي في عهد قردوغان والمظالم التي تنال الأتراك فيقول في تصريحات لصحيفة (زمان التركية): بأنه يتوجب على حزب الرئيس رجب طيب قردوغان الذي اختار (العدالة والتنمية) اسمًا له؛ أن يغير اسمه إلى: (حزب الظلم والتنمية)..!.