د. فهد بن علي العليان
مدير ثانوية القادسية في الوقت الذي كان فيه صاحبكم أحد طلابها عام 1404 - 1406..
كان (أبو فهد) المدير الغائب الحاضر، غائبًا لا يشعر الطلاب بوجوده لهدوئه، لكنه حاضر في تفاصيل المدرسة وشؤونها، وعلى اطلاع بكل الأحوال المتعلقة بالمعلمين والطلاب وأنشطة المدرسة. عند الدخول إلى بوابة الثانوية، والتوجه إلى مكتب المدير، يلمس الداخل السكون والطمأنينة والهيبة والوقار، وعند مقابلة المدير تطالعك الأناقة بالمظهر والمنطق وحسن الاستقبال.
زيد البتال من الممكن أن نطلق عليه الرجل الهادئ الضاج: هادئ بطبعه وبسمته وسلوكه، ضاج بمتابعته وأفعاله ودعمه وتشجيعه لزملائه المعلمين وأبنائه الطلاب. لا يمكن للطلاب الذين درسوا في (ثانوية القادسية) أن ينسوا أو يتناسوا ذلك المدير ذا الطلعة البهية والقوام الطويل بأناقته ورشاقته مع هيبته؛ فدائمًا ما يستعيد صاحبكم وزملاؤه ذكريات القادسية، وذكرى مديرها الرائع، بل كأن القادسية في تلك الأوقات تمشي دقاتها على دقة ساعته وانضباطه بهدوء تام مع ضبط إداري مُحكم.
عرفه صاحبكم عن قرب من خلال المشاركات الإذاعية التي يدعمها المدير بقوة، فلا تكاد تغيب القادسية عن المنافسة والفوز بالمراكز الأولى في مسابقة (الإلقاء) شعرًا ونثرًا بدءًا بالزميل عبدالعزيز المعارك، ثم مرورًا بصاحبكم الذي أخذ المركز الأول في الصفين الثاني والثالث الثانوي 1405، 1406، وليس انتهاء بشقيق الروح الطبيب محمد العليان الذي يمارس إبداعاته ومواصلاً دراسته في كندا. كانت القادسية تفوز وتكرر الفوز كل عام بدعم مديرها الذي كان يقف خلف كل إنجازات طلابها العلمية والثقافية. كما عرفه صاحبكم من خلال المشاركات المسرحية؛ إذ كان مسرح ثانوية القادسية يقدِّم مسرحيات متنوعة وهادفة بقيادة الأستاذ سمير؛ فقد شارك صاحبكم مع زملاء آخرين بتقديم مسرحيات عدة على مسرح الثانوية، يحضرها الآباء والمعلمون والوكلاء، بحضور ربان القادسية (أبي فهد)؛ وهو ما كان له الأثر ليشارك طلاب (القادسية) في حفل إدارة التعليم الختامي بحضور مسؤولي التعليم والنشاط الطلابي.. فسلام الله على (عيدان الغامدي) أينما كان. ويحضر الحفل الختامي مدير القادسية مزهوًّا بطلابه، وداعمًا لهم، ثم يكرمهم في المدرسة نظير إنجازاتهم ومشاركاتهم المتميزة.
وفي هذا المقام يتذكر كاتب هذه الحروف البهجة التي ارتسمت على وجوه المدير ومنسوبي القادسية حين أُعلنت نتائج العشرة الأوائل في اختبارات المرحلة الثانوية؛ ليظهر اسمه مع رفيق دربه خلال أربعة عقود فضيلة الشيخ سلمان النشوان في صفحات الصحف ضمن العشرة؛ فينتشر الخبر؛ ويفرح الأقربون، ويسعد الأهل، ويهنئ أهل المسجد والجيران بتلك النتيجة. لا يغالي صاحبكم إذا قال: إن زيد البتال ارتبط اسمه بثانوية القادسية؛ فإذا ذكر أحدهما لا بد أن يُذكر الآخر، بل إن كل المعلمين الذين التقوه وعملوا معه في القادسية لم ينسوه؛ إذ كان زيد يدير القادسية بكل اقتدار سنين عديدة، يحركها برفقة وكلائه الذين أحبوه وألفوه كما يحرك أحدهم مقود سيارته بخبرة كبيرة ومهنية عالية. وبعد مغادرة القادسية بقي صاحبكم على صلة وتواصل مع مديره الذي أُعجب به، ويقدره كثيرًا. فلما انتهت المرحلة الجامعية، وجاء ترشيحه للعمل في إحدى مدارس الرياض، فرح (أبو فهد) بذلك؛ وبذل جهودًا جبارة، وكتب لمدير التعليم طالبًا أن يكون أحد طلاب القادسية قبل سنوات معلمًا فيها، لكن الفرصة لم تكن مواتية على الرغم من إصرار المدير ليبقى تلميذه معلمًا عنده. فكان القرار بالتوجيه إلى ثانوية حي الشفا، فيقبل المدير وتلميذه بذلك على مضض ومرارة، وتمرّ الأيام، وتأتي حادثة غزو الكويت؛ لتأتي بعض الأسر من أهلنا في الكويت للسكن في مقار المدارس، وتفتح القادسية أبوابها وقلوب منسوبيها لذلك؛ حينها قرر المدير إسناد الإشراف لتلميذه المعلم؛ وهو ما أزعج أحد معلميه الذي كان يريد فرض وصايته عليه أثناء دراسته في الثانوية؛ فصرح قائلاً بكلمات تفوح غطرسة، وتتنفس غيظًا: «زيد يحبك إلى الآن»! فشارك الطالب مع مديره في هذه المهمة، والأمل يحدوه؛ ليرضي ربه أولاً، ثم يخدم وطنه، ويحقق رغبة مديره.
مضت الأيام، وترك المدير القادسية؛ ليذهب إلى معهد العاصمة النموذجي ثم إلىمدارس الرياض (الأهلية)، يقدم خبرته وعطاءه الذي يتدفق حبًّا للعلم والتعليم، ويستمر صاحبكم في الاتصال والتواصل مع زيد، الذي يزيد كل يوم تقديرًا ومحبة في قلب تلميذه. وهنا تأتي هذه الحروف شاهدة بقلب صادق على التقدير الكبير لمدير القادسية الذي غادرها، وبقي اسمه في قلوب طلابها. إنها بهجة التعليم التي لا تنتهي، ولا ينتهي الثناء على المدير الهادئ الذي ترك بصمات لا ينساها طلابه.
(شكرًا زيد القادسية).