د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
أعني بالهمزة الممدودة الهمزة التي يليها ألف، وتقع في أول اللفظ أو وسطه أو آخره، فأما في أول اللفظ فنحو (أاخذ)، هذا هو الأصل؛ ولكنهم لكراهة التماثل الخطّيّ اجتزؤوا برسم ألف واحدة وكتبوا فوقها كلمة (مد)، هكذا ظهر في المخطوطات القديمة، وتحولت (مد) مع الزمن إلى شكل تجريدي هو (~)، فكتب الفعل (آخذ) على بناء فاعَل، ويلاحظ أن هذه المدة أغنت عن القطعة التي ترسم فوق همزة القطع (ء)، وأغنت عن رسم الفتحة أيضًا؛ لأن الألف بهذه المدة التي فوقه تعني همزة فألفَ مدّ، ونجد هذه الهمزة الممدودة في مثل ماضي الفعل المضارع (يؤمن) نأتي به على بناء (أَفْعَلَ) فهو في الأصل أَأْمَنَ؛ ولكن الهمزة الساكنة بعد هذه الهمزة المفتوحة تقلب ألفًا حسب الصرفيين (أامن) أو تحذف وتمطل فتحة الأولى حسب الأصواتيين، والمحصلة أن الفعل سيكتب (آمَنَ) تجنبًا لتجاور ألفين في الخط.
ومن الكلم ما يبدأ بساكن حسب وضعها، فأجاء هذا أهلَ اللغة إلى افتتاحها بهمزة مكسورة تسمى همزة الوصل، مثل الفعل (اِنْطلق) الذي أوله نون ساكنة، ولا يبدأ بساكن في العربية ولا يوقف على حركة، وإنما نحتاج إلى همزة الوصل هذه حين نبدأ باللفظ، فإن توسط اللفظ تخلفت الحاجة إلى هذه الهمزة، نرى ذلك حين ندخل الفاء أو الواو فنقول (فَانْطلق، وَانْطلق) فليس للهمزة في هذا اللفظ وجود، أما رسمها في الخط فهو تثبيت لشكلها الذي تبدأ به، ومثل الفاء والواو همزة الاستفهام تدخل على اللفظ ذي همزة الوصل، فلا يلفظ بهمزة الوصل (أَانطلق)، هذا قياس كتبها؛ ولكنهم كرهوا تجاور الألفين في الخط فحذفوا صورة همزة الوصل من الخط، كما استغني عنها في اللفظ (أَنْطلق)، قال ابن جني «وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام أَشْتريت لزيد ثوبًا، أَسْتخرجت لَهُ مَالًا، فتفتح لِأَنَّهَا همزَة الِاسْتِفْهَام قَالَ ذُو الرُّمّة:
أَسْتحدث الركب عَن أشياعهم خَبرا ... أَم رَاجع الْقلبَ من إطرابه طربُ»(1).
وتفعل نحو ذلك مع الأسماء كما فعلت مع الأفعال، تقول: فابْنك، وابْنك، أَبْنك، لم تأت بهمزة الوصل مع همزة الاستفهام لفظًا ولا خطًّا كراهة توالي ألفين.
أما الحروف فليست تأتي همزة الوصل سوى مع حرف واحد هو لام التعريف (اَل) نحو (اَلْبيت)، وتميزت حركتها بالفتح خلافًا للهمزة الداخلة على الفعل والاسم (اِنطلق، اِبنك)، وهذه الهمزة المفتوحة تهمل في الدَّرج، أي إن توسط اللفظ بها، فلا تلفظها بعد الفاء أو الواو، تقول (فَالْبيت، وَالْبيت)؛ وأما مع همزة الاستفهام فلها شأن آخر؛ ذلك أنّ همزة الاستفهام مفتوحة كما أن همزة (اَل) مفتوحة، فإن أهملت همزة الوصل لفظًا بقيت همزة مفتوحة كهمزة الوصل وهي همزة الاستفهام، فلا نعلم أهذا خبر أم هذا استفهام؛ لأن (ألبيت؟ مثل اَلبيت) لفظًا؛ ولذلك قال ابن جني «فَإِن كَانَت الْهمزَة الَّتِي مَعَ لَام التَّعْرِيف لم تحذفها مَعَ همزَة الِاسْتِفْهَام؛ لِئَلَّا يلتبس الْخَبَر بالاستفهام، تَقول: آلرجل قَالَ ذَاك، آلغلام ذهب بك، قَالَ الله سُبْحَانَهُ {آلذكرين حرّم أم الْأُنْثَيَيْنِ} وَقَالَ {آللَّهُ أذن لكم}»(2). وعبارة ابن جني فيها تسمح؛ إذ الملاحظ أن همزة الوصل سُهّلت، ومن حيث الصوت حذفت همزة الوصل بحركتها، ثم مطلت فتحة ألف الاستفهام تعويضًا.
وتقع الهمزة الممدودة وسط اللفظ مثل (مآذن)؛ ثمّ إنّ الهمزة المتلوة بألف مدّ قد تكون مضعّفة، كما في صيغة المبالغة على بناء (فَعّال)، فالفعل (سأَّل) يصاغ اسم الفاعل للمبالغة منه فيقال (سأَّال) هذا أصل كتبه؛ ولكن تجنبًا للتماثل الخطّي نرسمها بالمد فوق الألف، وسَتغني هذه المدة عن قطعة الهمزة (ء) وعن فتحتها، فيتحصل لنا كتب اللفظ بسين فألف فوقها شدة وفوق الشدة المدة، وهذا الصورة أثارت اختلافات لا فائدة من ذكرها، وأصحها في نظري ما ذكرته، وهو مذهب مؤلفي كتاب (أدب المملي) «إذا اجتمعَ همزةٌ ومدّةٌ وشدّة يُكتفى في الكتابة بالمدَّة والشَّدةِ نحو: لاّلٍ أي: بائعِ اللألئِ، وساّل»(3)، ولا يسعف الحاسوب في رسم المدة فوق الشدة، ويجب رسم الشدة وفوقها المدة لأن الشدّ قبل المدّ.
وتقع الهمزة آخر اللفظ مثل الاسم (خطَأ)، والفعل (بدأ، يبدأ)، تقول: صححت خطأًا، هذا قياس كتبه؛ ولكنهم حذفوا الألف تجنبًا للتماثل الخطيّ (خطأً)، فإن وقفت عليه تلفظت بالألف، وإن ثنيت هذا قلت (خطأَان)، هذا قياس كتبه؛ ولكنهم رسموا المدة فوق الهمزة للتخلص من التماثل الخطي، وأغنت المدة عن القطعة (ء) والفتحة (خطآن)، وتتصل بالفعل (بدأ، يبدأ) ألف الاثنين: بدأا، يبدأان، هذا ما أطبق على كتبه جمهور السلف؛ لأن ألف الاثنين عندهم ضمير، فهي اسم وليست من نفس أحرف الفعل؛ على أنّ منهم من أجاز جعلها همزة ممدودة فتكتب (بدآ، ويبدآن)، قال ابن الدهان «ويكتب: أخواك قَرَأا، بألفين، وجوزوا أن يكتب بألف واحدة ومدّة، والأول أجود»(4). وذكر ذلك من المحدثين الغلاييني قال «هذا رأْي ُ جمهور العلماء. ومنهم من يحذفُ ألفَ المدّ مُعَوِّضًا عنها بالمدَّة، مثلُ «قرآ واقرآ ويقرآنِ ولم يَقْرَآ». وهذا هو القياس. وهو أَيسرُ على الكاتب، ومنهم من يكتب الهمزَة منفردةً، لا على ألفٍ، ويُثبتُ ألف الضمير بعدها، مثلُ قَرَءَا واقرَءَا ويَقْرءَان ولم يَقْرَءَا»(5). ورأى مؤلفو كتاب (دليل توحيد ضوابط الرسم الإملائي للكتابة العربية) «ضرورة تعميم القاعدة فتكتب الكلمات ذوات الهمزة المتلوة بألف همزة ممدودة هكذا (آ) في الجميع؛ تيسيرًا للكتابة عند الناشئة وغير المتخصصين»(6).
ويمكن لمن يريد أن يحتج لهذا المذهب القول إن ألف الاثنين في الفعل المضارع وقعت بين لام الفعل وعلامة رفعه، وهي النون، فصارت متوسطة تعامل معاملة الحرف المتوسط، وصارت كأنها من نفس أحرف الفعل، ويمكن أن يقال إن هذه الألف ليست ضميرًا فليست اسمًا يمتاز من الفعل بل هي علامة مطابقة، ويوافق هذا مذهب المازني الذين يقدر الفاعل مع هذا الفعل ضميرًا مستترا(6).
وما ذهب إليه الغلاييني ثم الدكتور الشلال وزملاؤه وهو أن داعي التيسير على الكاتب يقتضي عدّ ألف الاثنين كألف المثنى فترسم مع الهمزة قبلها على هيأة الهمزة الممدودة، فتقول: بدآ ويبدآن كما تقول نَبَآن وخَطَآن مذهب معتبر أجدر بالاتباع، وهم بما ذهبوا إليه متّبِعون لا مبتدعون.
** **
(1)ابن جني، اللمع في العربية، ص: 224.
(2) ابن جني، اللمع في العربية، ص: 224.
(3) عبدالرحيم بك أحمد وآخرون، أدب المملي، ص15.
(4) ابن الدهان، كتاب الهجاء، ص14.
(5) مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية، 2: 149.
(5)عبدالله الشلال وآخرون، دليل توحيد ضوابط الرسم الإملائي للكتابة العربية، ص42، ح2.
(6) ابن يعيش، شرح المفصل، 3: 88.