هتفت وهي تتجه بخطوات سريعة إلى حجرة النوم «لن تجدني هنا عندما ترجع من العمل»، سمعت رده الغاضب عليها قبل أن يغلق الباب بعنف «افعلي ما شئت».
دخلت وسحبت الكرسي الثقيل قريبًا من الدولاب، طالما داعبها بسبب قصر قامتها كلما طلبت منه إنزال الحقائب.. لن تحتاجه بعد الآن.. أنزلت حقيبتها بصعوبة وتوازنها يكاد يختل.
وضعتها على الأرض وبدأت بإخراج ملابسها ورميها على السرير استعدادًا لرحيلٍ أخير.. «هذه المرة قراري نهائي.. لن أتحمل يومًا واحدًا أكثر.. إهماله لي.. لمنزلنا.. شروده الدائم.. لن يفتقدنا.. إنه يعيش في عالم يخلو منا على أية حال.. يعيش داخل نفسه.. معها ولها فقط».
سمعت صوت بكاء صغيرها.. تركت حقيبتها وذهبت إليه.. ضمته إلى صدرها وجلست على كرسيها الحنون.. رفيقها في ليالي السهر الطويل.. كم شهد هذا الكرسي دموع الصغير التي خالطتها دموعها.. تعلمت كيف تتعامل معه وحدها.. لم يكن لديها من تسأله أو من تلجأ إليه.. كل شيء كان صعبًا.. العناية به.. مجرد أن تجعله يتوقف عن البكاء كان معضلة مرعبة.. رفضه للطعام.. والأشد قسوة كان مرضه المتكرر.. غفا بين ذراعيها.. وغفت هي أيضًا.
حين استيقظا.. كان نور شمس الظهيرة قد أضاء المكان.. وتسلل بدفء إلى عتمة روحها.. حملته.. بدلت ملابسه وأطعمته.
في المطبخ.. تراقبه يجلس على كرسيه المرتفع وهو يلعب بدميته المفضلة.. يشبهه في كل شيء.. عيناه الواسعتان.. أنفه المستقيم وحتى شفتاه العنيدتان.. موسيقى ناعمة تتسلل من بيت الجيران عبر باب الشرفة المفتوح.. الهواء يحرك ستائرها البيضاء.. حينما كانا يختاران ألوان الأثاث.. حاول أن يعترض على لون الستائر الذي انتقته لكل شرفات المنزل.. لكنه وافق عندما قالت له وهي تبتسم بخجل «أحب الستائر البيضاء».. أغمضت عينيها وارتعش قلبها عندما تذكرت رده عليها «وأنا أحبك أنتِ».
أكملت إعداد الطعام «سأطهو الدجاج بالطريقة التي يحبها» تتدافع الذكريات.. أيامهما الأولى معًا.. كان يأخذها دومًا إلى شاطئ البحر.. يعرف أنها تعشق الجلوس هناك.. يتحدثان بلا انقطاع.. تتساءل «ترى ما الذي كنا نقوله؟ وكيف انتهى حديث كان يبدو أنه لا ينتهي».
في غرفتها.. أعادت الملابس إلى الدولاب وتركت الحقيبة مكانها.
عاد إلى المنزل وهي تعد المائدة.. لمحت نظرة دهشة تعلو ملامحه.. ابتسم ابتسامة متعب وصل إلى ركنه المريح في الدنيا.. وحياها.. ردت عليه بهدوء دون أن تلتقي عيناها بعينيه وواصلت عملها.
مضى اليوم كالمعتاد.. غداء.. ترتيب المنزل.. العناية بالصغير..
حينما حل المساء نام طفلها بعد ساعات من المحاولات الفاشلة.. ودخلت أخيرًا إلى غرفتها.. ظنته نائمًا كعادته.. استلقت على السرير بجواره.. مد يده وداعب خصلات شعرها المبعثرة.. وهمس «لم تتركيني»... ردت وابتسامة ناعسة تعلو شفتيها «قصيرة.. لم أستطع إنزال الحقيبة من فوق الدولاب».
** **
- شذى صابر